وقد كنتُ فكرت في أنواع أخرى من الفهارس اللفظية، وشرعت في بعضها فعلاً. ثم رأيت أن في ذلك إطالة وإرهاقًا لي وللقاريء، على قلة غَنائها، وأن ما اخترت الاقتصار عليه كافٍ وافٍ، والحمد لله.
وأما الفهارس العلمية، فهي الأصل لهذا العمل العظيم. الذي أسأل الله أن يوفقني لإتمامه وإخراجه، وأن يسدّد يدي وعقلي في صنعه، وهو الابتكار الصحيح، الذي ما أظن أحداً سبقني إليه.
وقد بنيت هذه الفهارس أيضاً على الأرقام للأحاديث، بل إن الأرقام هي التى سددت الفكرة وحدّدتها.
فإن كل مطلع على الأحاديث يعلم أن الحديث الواحد قد يدل على معان كثيرة متعددة، في مسائل وأبواب منوعة، وأن هذا هو الذي ألجأ البخاري رضي الله عنه إلى تقطيع الأحاديث وتكرارها في الأبواب، استشهاداً بالحديث في كل موضع يستدل به فيه ولو من بعيد، فكانت صعوبة البحث في صحيحه، الصعوبةَ التى يعانيها كل المشتغلين بالسنة. مع أن هذه الطريقة هي الطريقة الصحيحة للإفادة من الأحاديث: أن يستدلَّ بها في كل موضع تصلح للدلالة فيه. وأما سائر أصحاب الصحاح والسنن، فإنهم تفادوا ذلك، وذكروا الحديث في الموضع الأصلي في الاستدلال، وأعرضوا عما وراءَ ذلك، إلا في الندرة بعد الندرة. ولذلك صرت أجدني -مثلاً- بعد مروري على هذه الفهارس، أيسر عليّ أن أبحث عن حديث في صحيح البخاري من أن أبحث عنه في غيره من الصحاح والسنن، لأني -في الأكثر الأغلب- أجد الحديث في أيّ معنى من المعاني التى يصلح للدلالة عليها.
فهذه الأرقام أراحتنا من كل ذلك، من تقطيع الحديث ومن تكراره. رقم الحديث يوضع في كل باب، وفي كل معنى يدل عليه، أو يصلح للاستشهاد به فيه، دون تكلف ولا مشقة.