7261 - حدثنا أحمد بن يوسف السلمي (?)، قال: حدثنا النضر بن محمد، قال: حدثنا عكرمة بن عمّار، قال: حدثنا إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه، قال: خرجت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وأَنا غلام حدث وتركت أهلي ومالي إلى الله - عز وجل - ورسوله -صلى الله عليه [وسلم] (?) - فكنت تبيعًا (?) لطلحة بن عبيد الله أخدمه وآكل معه من طعامه، فقدمنا الحديبية ونحن أربع عشرة مائة مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعليها يومئذ خمسون شاة ما ترويها، فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قعد
-[442]- على جَبَاها (?) قال: فإمّا بسق فيها وإمّا دعا، فما نُزحت (?) بعد، ثمّ إنَّ نبي الله -صلى الله عليه وسلم- بايعنا تحت الشجرة، فبايعته في أَوَّل النّاس، ثُمّ بايع حتى كان في وسط من النّاس، ثمّ قال: "يا سلمة! أَلا تبايعني؟ "، قلت: يا رسول الله! بايعتك في أَوَّل النّاس، قال: "وأيضا"، ثمّ قال: "يا سلمة! أَما لك جُنَّة (?)؟ " فاعطاني جَحَفَةً (?) -أو قال: دَرَقَةً-، ثمّ بايع حتى إذا كان في آخر النّاس، قال: "يا سلمة: ألا تبايعني؟ " قال: قلت: يا رسول الله! قد والله بايعتك أول النّاس، وفي أوسطهم! قال: "وأيضا"، ثمّ قال: "يا سلمة أين جحفتك -أو قال: درقتك- التي أعطيتك؟ "، قال: قلت يا رسول الله! أعطيتها عمّي عامرًا، وكان أعزل (?)، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وضحك-: "إنك كالذي قال الأُوَل: اللهم! أبغني حبيبًا أحب إلي من نفسي"، ثمّ إنّ قومًا من المشركين من أهل مكة كان بيننا وبينهم صلح حتى تمشت بعضنا في بعض،
-[443]- واختلطنا فأتيت الشجرة فكسحت (?) شوكها ثمّ نزلت في ظلّها، ثمّ اضطجعت ووضعت سلاحي، فأتاني أربعة من المشركين يتماشون، فجلسوا إليّ، فجعلوا يقعون في النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأبغضتهم، فتحولت إلى شجرة أخرى، فما عدا أَنْ وضعوا ثيابهم، وعلَّقُوا سلاحهم إذ نادى منادٍ من أسفل الوادي: يا للمهاجرين قُتل ابن زُنَيم (?)، قال: فأشُدّ عليهم حتى أقف على رؤوسهم بالسيف، ثمّ قال: والذي كرّم وجهَ محمدٍ لا يَمُدّ واحد منكم يده إلى سلاحه إلّا ضربت الذي فيه عيناه، ثمّ ضممتُ سلاحهم وسقتهم بسيفي حتى آتي بهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، وجاء عمي عامر بمكرز (?) أو ابن مكرز -رجل من العبَلات (?) - يقود به فرسه متسلحًا في سبعين رجلًا، فلمّا نظر إليهم نبي الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: "ذروهم، يكون لهم بدءُ الفجور وثناه" (?)، ثمّ رجعنا إلى المدينة، فمررنا على جبلٍ بيننا وبين
-[444]- العدو فاستغفر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمنْ طَلَعه تلك الليلة، فطلعته ثلاث مرات أو مرتين، ثمّ قدمْنا، المدينة، فخرجتُ بفرسِ طلحةَ بن عبيد الله مع رباح غلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ظَهرِ (?) رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلمّا كان بغلسٍ (?) إذا نحن بعبد الرحمن بن عيينة بن بدر الفزاري؛ قد أغار على سرح (?) رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاستاقَ هو وأصحابُه وقَتَلوا راعيها، فقلت: يا رباح! اركب هذا الفرس فأبلغه طلحة، وأخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّ المشركين قَدْ أَغاروا على سَرْحه وقتلوا راعيه، قال: فأشرفت شرفًا (?) من الأرض، ثمّ
-[445]- ناديتُ بأعلى صوتي: يا صباحاه، ثُمّ اتَّبَعْتُ القوم أَرْمِيهِمْ بالنبل وأقول:
أنا ابن الأكوع ... اليوم يوم الرُّضَّع (?)
وأهوي لرجل منهم بسهم فأضعه في نُغْضِ (?) الكتف، ثمّ قلت: خذها:
أنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرُّضّعَ
فلم أزل أرميهم بالنبل، فإذا حَمَلوا عليّ لجأت إلى شجرة ونثرت (?) نبلي، فعقرت (?) بهم، وإذا تضايق الوادي علوتُ عليهم الجبلَ، فرميتهم بالحجارة، حتى أحرزتُ الظهر الذي أخذوا كلّه، وأخذتُ من مُشَاتهم سوى ذلك أَكثَر من ثلاثين رمحًا وثلاثين بُردةً يطرحونها، لا أَضمُّ منها شيئًا إلّا جعلته طريق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وجعلتُ عليه حجارةً علامةً ليعرفوا، فلمّا امتدّ الضحى إذا عيينة بن بدر
-[446]- أبو عبد الرحمن قد أتاه مددًا، فنزلوا يتضحون (?)، وعلوتُ عليهم الجبلَ فقعدتُ، فنظر إليّ عيينة، فقال: ما هذا الذي أرى؟، فقالوا: لقب من هذا البُرَحاء (?)، ما فارقنا بغلسٍ حتى هذا مكانه، قال: أَفلا إليه نَفَرٌ منكم؟ فقام إليّ أربعةٌ منهم فسندوا إلى الجبل، فلمّا دنوا مني قلت: أتعرفوني؟ أنا ابن الأكوع! والذي نفسي بيده! لا يطلبني رجل منكم فيلحقني، ولا أطلبه فيفوتني، قالوا: إنّا نظنّ، فرجعوا، ثُمّ إذا أنا بفوارس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أولهم الأخرم الأسدي، وأبو قتادة، والمقداد بن الأسود، فانحدرت من الجبل فأعرضَ الأخرمُ وهو أَوَّلُ القوم فأخذ بعَنَانِ (?) فرسه، فقلت: يا أخرم! أنذر القوم (?) أن يقتطعوك حتى يلحق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه؟ فقال: يا سلمة! إنْ كنت تؤمن بالله واليوم الآخر وتعلم أَنّ الجنّة والنّار حقٌّ فلا تحل بيني وبين الشهادة، فتركته، فتقدم، فالتقى هو وعبد الرحمن بن عيينة، فاختلفا طعنتين، فعقر بعبد الرحمن فرسه، فطعنه عبد الرحمن فقتله، ثُمّ تحولّ على فرسه
-[447]- فالتقى عبد الرحمن، وأبو قتادة فاختلفا طعنتين، فعقر عبد الرحمن بأبي قتادة وطعنه أبو قتادة فقتله، وتحوّل على فرسه، ثُمّ ولى القوم لا يلوون على شيءٍ، فاتبعتهم على رجليّ حتى ما أرى من فرسان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا من رجالتهم أحدًا، ثُمّ مالوا إلى ماءٍ يقال له ذو قَرَد (?)، فأبصروني وراءهم، فحليتهم (?) عنه وهم عطاش حتى ألحق في ثنية ذي الدثير (?)، فألحقُ رجلا على راحلته في مؤخر القوم فأرميه بسهم، فقلت: خذها.
وأنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرُّضَّع
قال: واثكل أمي، أكْوعيّا بكرةً (?)؟ قلت: نعم، أي عدو نفسه! وأخذت بفرسين أرديهما (?) في الثنية، فسقتهما معي حتى ألقى عمي
-[448]- عامرًا في الظلام على بعير معه سطيحتان (?) إحداهما (?) مذقة -أي بقية من لبن- وأخرى ماء، فتوضأت وصلّيت حتى أتى نبي الله -صلى الله عليه وسلم- نازلًا على الماء الذي حليتهم عنه -ذو قرد-، ووجدت بلالًا يشوي كبدًا وسنامًا من جزور نُحر من الإبل التي حويت (?) من المشركين، فقلت: يا نبي الله! بأبي أنت وأمي ذرني فأنتخب من القوم مائة، فأخذت عليهم بالعشوة (?)، فأصْبح ولم يَبْقَ مخبرٌ، فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضحك حتى بدت نواجذه (?) في عشوة النار (?)، ثُمَّ قال رسول الله -صلى الله عليه [وسلم]-: "يا سلمة! أكنت فاعلا؟ " قلت: نعم، والذي بعثك
-[449]- بالحق؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنّهم الآن ليُقْرَوْنَ (?) في غطفان (?) فما برحت حتى جاء رجل، فقال: يا رسول الله نزلوا بفلان الغطفاني فنحر لهم جزورًا، ثمّ أبصروا الغبرة، فقذف الله في قلوبهم الرعب، فخرجوا وتركوا قِراهم، قال: وأعطاني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سهم الفارس، وسهم الراجل جميعا، وأردفني خلفه على العضباء (?)، فلمّا كان بيننا وبين المدينة كالروحة أو الغدوة (?) أتانا رجل من الأنصار كان لا يسبق فقال: هل من سابق؟ ألا هل من سابق -مرتين أو ثلاثا- فأقبلت عليه فقلت: أما تُكْرِم عليه كريمًا ولا تهاب شريفًا؟ قال: لا، إلّا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قلت: يا رسول الله بابي أنت وأمي! أفلا أسابق الرجل؟ فقال: "إن شئت"، فثنيت رجلي، فطفرت عن ظهر الناقة، ثُمَّ قلت:
-[450]- اذهب إليك، وربطت عليه شرفًا أو شَرَفَيْن (?)، ثُمَّ ترفعتُ حتى أَلْحَقَه، فصككتُ بين كتفيه، ثُمَّ قلت: سبقتك والله! قال: إنّي أظنّ، ثمّ قدمنا المدينة، فما لبثنا بها إلّا ثلاثًا حتى خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى خيبر، فخرجت؛ وعمّي عامر بن الأكوع، فجعل يرتجز القوم، ويقول:
تالله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا
إن الذين هم بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا
ونحن عن فضلك ما استغنينا ... فثبت الأقدام إن لاقينا
وأنزلن سكينة علينا
فنادى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من هذا؟ " قالوا: يا رسول الله! هذا عامر، فقال: "غفر لك ربك"، قال: فوالله ما استغفر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قط يخصه لرجل إلّا استشهد، قال: فناداه عمر بن الخطاب وهو على راحلته في ناحية القوم يا رسول الله! لو متعتنا بعامر، قال: فلمّا قدمنا خيبر أقبل مرْحَبُ، فقال:
قد علمت خيبر إني مَرْحَبُ ... شَاكِ (?) السلاح بطل مُجَرَّبُ.
-[451]- إذا الحروب أقبلت تَلَهَّبُ
فقال عامر:
قد علمت خيبر أنِّي عامر ... شَاكِ السِّلاَحِ بطلٌ مغامر.
فاختلفا ضربتين، فوقع سيف مرحب في تُرس عامر، ورجع سيفُ عامرٍ عليه فأصاب ساقَ نفسه فأتى له فيها، قال: فمررت على نفرٍ من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وهم يقولون: بَطَلَ عَمَلُ عامرٍ، فأتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- أبكي، فقلت: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-! أَبَطَلَ عملُ عامرٍ؟ قال: "ومن قال ذاك؟ " قال: قلت: بعض أصحابك، قال: "كذب ذاك، بل له أجره مرتين"، قال: ثمّ أَرسلَ نبيُّ الله -صلى الله عليه وسلم- إلى عليِّ بن أبي طالب، فقيل: يا نبي الله! إِنّه أَرْمَدُ (?)، فجئت به أَقُودُه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل ذلك: "لأُعطينَّ الرايةَ رجلًا يحب الله ورسولَه، ويحبُّه الله ورسولُه"، فبصق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في عينيه، ثُمَّ أَعطاه الرايةَ، فكانَ الفتحُ على يديهِ، ولمّا بَرَزَ عليٌّ، فارتجز مَرْحَب، فقال:
قد علمت خيبر إني مَرْحَبُ ... شَاكِ السلاح بطل مُجَرَّبُ.
إذا الحروب أقبلت تَلَهَّبُ
قال: فقال عليٌّ -رضي الله عنه-:
-[452]- أَنَا الذي سمتني أمِّي حيدرة (?) ... كليث غابات كريه المنظرة.
أوفيهمُ بالصَّاعِ كَيْلَ السَّندرة (?).