وهوَ لا يكونُ إلّا معيَّنًا خاصًّا، وإنْ قيلَ: إنَّهُ يلزمُ مِنْ وجودِ الشَّخصِ وجودُ النَّوعِ وجود (?) الجِنسِ؛ فاللَّازمُ ليسَ مطلَقًا بشرطِ الإطلاق، وإنَّما هوَ معيَّنٌ خاصٌّ لا يشتركُ اثنانِ في عينِه، وإنِ اشترَكا في نوعِه، والموجبُ لتعيُّنِهِ وتشخُّصِهِ هوَ الموجبُ لِما هوَ متَّصِفٌ بهِ مِنْ كونهِ موجودًا أو واجبًا، وعنْدَ (?) ذلكَ وكذلكَ حميعُ أفرادِ النَّوع كالإنسان مثلًا، فالموجِبُ لعينِهِ الموجودةِ هوَ المُوجِبُ لما فيهِ مِنْ إنسانَيَّةٍ وحيوانيَّةٍ وغيرِ ذلكَ، وقد ضلُّوا إلى هذا الموضِعِ هُم ومَنِ اتَّبعَهم ضلالًا مُبينًا؛ فإنَّ قولَهم: إنَّ نوعَ الإنسانِ مقولٌ على زيدٍ وعلى عَمرٍو ليسَ زيدٌ إَنسانًا لذاتِه، إذْ لو كانَ إنسانًا لذاتِهِ لما كانَ عمرٌو إنسانًا، بلْ لعِلّةٍ جعلتْهُ إنسانًا، وقد جعلَ عمرٌو أيضًا إنسانًا، فكثرةُ الإنسانيّةِ بتكثيرِ المادّةِ الحاملةِ لها، وتعلُّقها بالمادّةِ معلولٌ ليسَ لذاتِ الإنسانيّة، فقَولُهم هذا الذي تذكرونَهُ في الإلهيّاتِ والطَّبيعاتِ والمنطقِ يظهرُ ما فيهِ مِنَ التَّلبيسِ مِنْ وجوهٍ:
أحدُها: أنَّ قولَهم: ليسَ زيدٌ إنسانًا لذاتِه، إذْ لو كانَ إنسانًا لذاتِهِ لما كانَ عمرٌو إنسانًا يقالُ لهم: تعنونَ بقَولِكُم: لم يكُنْ إنسانًا لذاتِه، وأنَّ غيرَ هذا الإنسانِ المعيَّنِ الموجودِ يخلصُ بهِ كما يقولُهُ مَنْ يقولُهُ مِنَ المعتزلةِ: إنَّ المعدومَ شيءٌ أمْ ذاتٌ مطلَقةٌ مشترَكةٌ يشتركُ فيها هذا الإنسانُ وغيرُهُ، أمْ يعنونَ بذاتِهِ هذا الإنسانَ المعيَّنَ المخصوصَ، وهذهِ القِسمةُ حاصرةٌ؛ فإنَّ ذاتَ هذا الإنسانِ المخصوصِ إمّا أنْ تكونَ هذا الإنسانَ أو غيرَهُ، وإذا كانَتْ غيرَهُ فلا يخلو إمّا أنْ تكونَ جزئيّةً مثلَهُ تساويهِ في الخصوص، وإمّا