قلتُ: هذهِ الحُجَّةُ مادَّتُها هيَ مادَّةُ الحُجّةِ التي ذكرَها السّائلُ؛ إذْ أصلُ ذلكَ كلِّهِ أنَّهُ متى قُدِّرَ واجبانِ لزمَ أنْ يكونَ وجوبُ الوجودِ معلولًا، إمّا للماهيّةِ أو لأمرٍ آخرَ، ووجوبُ الوجودِ لا يكونُ معلولًا، فإنَّهُ إذا قدّرَ واجبًا لم ينحصِرْ نوعُهُ في شخصه، وإذا لم ينحصِرْ فلا يجوزُ أنْ يكونَ وجوبُ الوجودِ هيَ الموجبة (?) لتشخصهِ وتعينِهِ، إذْ لو كانَ كذلكَ لانحصرَ نوعُهُ في شخصِه، وتعيَّنَ وجوبُ الوجودِ والغرضُ خلافُهُ، ولا بُدَّ أنْ يكونَ نسب الشَّخصِ غيرَ وجوبِ الوجود، وحينئذٍ فسواءٌ أنْ كانَ وجوبُ الوجودِ لازمًا لذلكَ الشَّخصِ أو عارضًا لهُ فلا بدَّ أنْ يكونَ معلولًا لهُ؛ لأنَّ وجوبَ الوجودِ لا يحصلُ إلّا بهِ؛ كما في تحصلُ الإنسانيّةُ في الشَّخصِ إلّا بسبب غيرِ الإنسانيّة، كما ذكروا مِنْ أسبابِ ذلكَ، وهوَ المادّةُ الحاملةُ لها، والواجبُ بنفسِهِ لا يكونُ معلولًا.
فهذا مُنتهى ما عندَ القوم، وأبو حامدٍ بفِطرتِهِ قد تفطَّنَ لفسادِها وقالَ: هذا التَّقسيمُ خطأٌ، ومثَّلَ ذلكَ باللَّونيّة، والتَّمثيلُ الذي ذكرَهُ مطابق، لكِنْ تبيَّنَ أصلُ فسادِ هذهِ الحُجَّة، ولم يبيِّنْ وجهَ المنعِ في مقدِّماتِها، لأنَّ ذلكَ مبنيٌّ لعِلّةِ القولِ في الماهيّةِ والوجودِ والفرقِ بينَهما والقولِ في أشخاصِ النَّوعِ وموادِّهِ ونحوِ ذلكَ مِنَ الأُصولِ التي ضلُّوا فيها، والتبسَ عليهم الحقُّ فيها حتَّى لبَّسوهُ على النّاسِ. وكثير مِنَ الرّادِّينَ عليهم يوافقُهم في تلكَ الأُصولِ الفاسدةِ أو بعضِها، فقَد تناقضَ في ردِّهِ كما تناقضوا هم في كلامِهم، ومثلُ هذا يوجدُ في كلامِ الرّازي، وكثيرِ ممّا يوجدُ في كلامِ