الذِّهنِ منهُ، لكِنْ هُمْ لا يُفسِّرُونَها بذلكَ، بَلْ يجعلونَ للشَّيءِ في الخارجِ ماهيّةً خارجيّةً تُغايِرُ الموجودَ في الخارج، كما جعلَ مَنْ جعلَ مِنَ المعتزلةِ في الخارجِ للشَّيءِ ثُبوتًا مغايرًا لوجودِهِ في الخارج، وجعلَ الموجودَ ثابتًا في الخارجِ قبلَ وجودِهِ.
وضلالُ هؤلاءِ المعتزلةِ مِنْ (?) جِنسِ ضلالِ هؤلاءِ المتفلسِفةِ؛ فإنَّ هؤلاءِ المعتزلةَ لَمّا رَأَوا أنَّ الشَّيءَ يُتصوَّرُ في الذِّهنِ فيُفرَّقُ بينَ المرادِ والمكروهِ والمأمورِ بهِ والمنهيِّ عنهُ، والامتياز في العدَمِ المحضِ محالٌ، قالوا: المعدومُ يتميَّزُ بعضُهُ عَنْ بعضٍ، ولا يكونُ الامتيازُ في العدَمِ المحض، فيكونُ بالمعدومِ ثابتًا. وما أمكَنَهم أنْ يجعلُوهُ موجودًا في الخارج، فقالُوا: هوَ ثابتٌ في الخارجِ وليسَ بموجودٍ، وفرَّقُوا بينَ ثبوتهِ ووجودِهِ كما فرَّقَ هؤلاءِ بينَ الماهيّةِ التي في الخارجِ وبينَ الوجودِ الذي في الخارج، وكُلُّ ذلكَ لكونِ أحدِ الاسمينِ غلبَ عليهِ الثُّبوتُ الذِّهنيُّ، والآخرِ غلبَ عليهِ الثُّبوتُ الخارجيُّ؛ فظَنُّوا الفَرقَ بينَهما لافتراقِ حقائقِ المسمَّيات، وليسَ كذلكَ، بَلِ الفَرقُ كانَ لأنَّهُ أخذَ في أحدِ المسمَّيَينِ وجودَهُ الذِّهنيَّ وأخذَ في الآخرِ وجودَهُ الخارجيَّ، فإذا عزلَ بينَ المسمَّياتِ وأخذَ لكُلِّ واحدٍ وجودَهُ الذِّهنيَّ والخارجيَّ فجَميعُها متكافئةٌ متعادلةٌ متلازمةٌ، فثُبوتُ الشَّيءِ في الذِّهنِ هوَ وجودُهُ في الذِّهن، ووجودُهُ في الخارجِ هوَ ثبوتُهُ في الخارج، وهوَ قبلَ وجودِهِ معدومٌ في الخارجِ ليسَ بثابتٍ ولا موجودٍ، وهوَ في الذِّهنِ ثابتٌ وموجودٌ بمعنى أنَّهُ معلومٌ لا أنَّ نفسَهُ حاصلةٌ في الذِّهنِ.