... مسألة الإيمان من مسائل العقيدة الجليلة التي وقع الاختلاف فيها، والافتراق عليها قديماً في المسلمين؛ بل لا يبتعد إذا قيل إنها أول مسائل الاختلاف في هذه الأمة التي وقع النزاع فيها بين طوائفها، فخالف فيها المبتدعة الأمة الإسلامية!
ومن ثم ترتب عليها اختلافات أُخر في مسائل وثيقة الصلة بمسألة الإيمان.
ومسائل الإيمان يُعبِّر عنها العلماء بمسألة ((الأسماء والأحكام)) ، بمعنى: اسم العبد في الدنيا هو هل مؤمن أو كافر أو ناقص الإيمان..؟ وحكمه في الآخرة أمن أهل الجنة هو أم من أهل النار، أم ممن يدخل النار ثم يخرج منها ويُخلد في الجنة؟
ولأهمية هذه المسائل ضمَّنها أهل السنة والجماعة في مباحث العقيدة الكبار (?) وقال الحافظ ابن رجب مبيناً أهمية هذه المسألة: ((وهذه المسائل، أعني مسائل الإسلام والإيمان، والكفر والنفاق مسائل عظيمة جداً)) .
فإن الله عز وجل علَّق بهذه الأسماء السعادة والشقاوة، واستحقاق الجنة والنار.
والاختلاف في مسمياتها أول اختلاف وقع في هذه الأمة، وهو خلاف الخوارج للصحابة حيث أخرجوا عصاة الموحدين من الإسلام بالكُلية، وأدخلوهم في دائرة الكفر، وعاملوهم معاملة الكفار، واستحَّلوا بذلك دماء المسلمين وأموالهم، ثم حدث بعدهم خلاف المعتزلة وقولهم بالمنزلة بين المنزلتين.
ثم حدث خلاف المرجئة وقولهم: إن الفاسق مؤمن كامل الإيمان.
وقد صنَّف العلماء قديماً وحديثاً في هذه المسائل تصانيف متعددة، وممن صنَّف في الإيمان من أئمة السلف: الإمام أحمد، وأبو عبيد القاسم بن سلاَّم، وأبو بكر أبي شيبة، ومحمد بن أسلم الطوسي، - رحمهم الله تعالى- وكثرت فيه التصانيف بعدهم من جميع الطوائف)) .اهـ. (?) .
وهكذا شأن الابتداع في الدين، فما يبتدع أحد بدعة- ولاسيما في أصول الدين وباب السنة-، إلا اتسعت اتساعهً كبيراً شبراً فباعاً فميلاً.. وحسبك أن تعلم ما يقابل هذا الاتساع من خفاء السنن واندراسها.
ولا يبتدع مبتدع من أهل الأهواء بدعة في هذا الباب إلا ويأتي عقبه من يبتدع بدعة تضاد بدعته وتقابلها، حتى يكون الحق عند من يجده وسطاً بن البدعتين، وهذا تلاحظه في: