وقال في الإيمان الأوسط: ((فصل: ثم بعد ذلك تنازع الناس في اسم المؤمن والإيمان نزاعاً كثيراً منه لفظيٌّ، وكثير منه معنوي. فإن أئمة الفقهاء لم ينازعوا في شيء مما ذكرناه من الأحكام، وإن كان بعضهم أعلم بالدين وأقوم به من بعض، ولكن تنازعوا في الأسماء..)) اهـ (?) .
هذا وقد حدد الشيخ جوانب النزاع اللفظي بين أهل السنة ومرجئة الفقهاء في بعض الصور لما قال في كتابه الإيمان:
((ومما ينبغي أن يُعرف؛ أن أكثر التنازع بين أهل السنة في هذه المسألة هو نزاع لفظي. وإلا فالقائلون بأن الإيمان قول من الفقهاء كحماد بن أبي سليمان، وهو أول من قال ذلك، ومن اتبعه من أهل الكوفة وغيرهم، متفقون مع جميع علماء السنة:
- على أن أصحاب الذنوب داخلون تحت الذم والوعيد، وإن قالوا: إن إيمانهم كامل كإيمان جبريل، فهم يقولون: إن الإيمان بدون العمل المفروض، ومع فعل المحرمات يكون صاحبه مستحقاً للذم والعقاب، كما تقوله الجماعة.
-ويقولون أيضاَ: بأن من أهل الكبائر من يدخل النار، كما تقوله الجماعة.
-والذين ينفون عن الفاسق اسم الإيمان من أهل السنة متفقون على أنه لا يخلد في النار.
فليس بين فقهاء الملة نزاع في أصحاب الذنوب إذا كانوا مقرين باطناً وظاهراً بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وما تواتر عنه أنهم من أهل الوعيد، وأنه يدخل النار منهم من أخبر الله ورسوله بدخوله إليها، ولا يُخلد منهم فيها أحد، ولا يكونون مرتدين مباحي الدماء)) اهـ (?) .
ولذا فإنك تجد كتب الفقه عند مرجئة الفقهاء مليئة بتقرير الأحكام العملية وترتيب الجزاءات عليها، وهذا مما يستصحب كون النزاع معهم لفظياً؛ إذ لو كان العمل غير واجب لما قرَّروه هذا التقرير في كتب فروعهم، التي هي من أخصب المذاهب الفقهية بسطاً لتلك المسائل.