لا يغمض لأرباب الأقلام جفن، ولا يهدأ لهم بال، ولا يسلك لهم بصر ما لم يروا أن نتاجهم قد اصفرّ سنبله، وآتى أكله، وردّدت الأروقة رجع صدى نتاجه من طالب العلم فيما كتبه.
ولعمري إنّ هذا الطموح لهو أحقّ بما هو مخطوط من تراث الأمم من غيره؛ لأنّ جهد العلوم لا ينمو غرسه إلّا فيما هو موروث من مداد أولئك الأئمة الأعلام الذين ذابت أفئدتهم، وتقرّحت أجفانهم بين المحابر والمنابر، ولم تثن عزيمتهم عوادي الزمن، أو غضب الأيام؛ وإنّما كسروا قيود المحال، وشمّروا عن سواعد الجدّ، فجادت نفوسهم بزاد المعاد الذي ما فتئت الأمم تتبارى متفاخرة به في ميدان سباق العلوم والآداب.
لقد حقّ ل (شهاب الدين أبو العبّاس، أحمد بن يحيى بن فضل الله بن مجلّي القرشي العمري الشافعي القاضي الكبير، الإمام الأديب البارع) (700- 749 هـ) أن تبصر جهوده النور، كما كان يطمح إليها، وعلى وفق مراده، لكنّما ذلك لم يكن بالأمر اليسير، فالنسخة التي قام عليها التحقيق تناءت عن زمنة، لما خالطها من جهالة لا يمكن أن تكون إلا من فعل النسّاخ المتكسبين في تحرير المخطوطات، ممّا وقعوا فيه من هنات، لا يقوى أحد على أن ينسبها إلى مؤلفها الذي يشهد له ببراعة الخط، وجودة الأسلوب، والتصرّف الرفيع في صياغة العبارة (المسجوعة) الموشّاة بأبهى الصور البلاغية التي عهدت في قلم ابن فضل الله؛ لأنه كان وزيرا للإنشاء، خلفا لأبيه، وزير الإنشاء عند حكام مصر آنذاك؛ لذا عجّت المخطوطة بالكثير من اللحن والخطأ الإملائي، وإهمال النقاط، وإضافة الهمزة إلى كلمة (ابن) الواقعة بين اسم الابن وأبيه، والاستعاضة بالمدّة الخنجرية عن الألف في مفردات، وعدم استعمالها في مفردات أخر، ممّا يدلّ على أن أقلاما عديدة تعاورت على نسخ المخطوطة؛ إذ وردت بعض الحروف معجمة تارة، وغير معجمة تارة أخرى، كالباء والياء والنون والغين؛ وإن كانوا قد توحّدوا في قلب الهمزة ياء، في مثل: فوايد، ومسائل والسايل.