يقول السائل: ما حكم مسح الوجه وبعض الجسم باليدين بعد الإنتهاء من دعاء القنوت كما يفعله كثير من الناس؟
الجواب: إن مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من دعاء القنوت أمر مشهور بين عامة الناس ولكن هذا الأمر مع شهرته وانتشاره وعمل كثير من الناس به لا سند له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا عن السلف الصالح رضي الله عنهم وإن قال به بعض الفقهاء.
قال الإمام النووي رحمه الله عند حديثه عن هذه المسألة أن فيها وجهين:
الأول: أنه يستحب وذكر جماعة من الفقهاء الذين قالوا بذلك ثم قال النووي:
والثاني: لا يسمح وهذا هو الصحيح صححه البيهقي والرافعي وآخرون من المحققين. المجموع 3/ 501.
ثم ذكر كلام البيهقي التالي، وأنقله من سننه رحمه الله حيث قال: "فأما مسح اليدين بالوجه عند الفراغ من الدعاء فلست أحفظ عن أحد من السلف في دعاء القنوت وإن كان يروى عن بعضهم في الدعاء خارج الصلاة، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث ضعيف وهو مستعمل عند بعضهم خارج الصلاة.
وأما في الصلاة فهو عمل لم يثبت بخبر صحيح ولا أثر ثابت ولا قياس، فالأولى أن لا يفعله ويقتصر على ما فعله السلف رضي الله عنهم من رفع اليدين دون مسحهما بالوجه في الصلاة وبالله التوفيق" السنن الكبرى 2/ 212.
وأقول جزى الله أئمتنا وعلمائنا خيراً فإنهم وقافون عند موارد النصوص فإن الخير كل الخير في الاتباع وإن الشر كل الشر في الأبتداع.
وأما الحديث الذي أشار اليه البيهقي فهو ما رواه أبو داود في سننه بسنده عن محمد بن كعب القرظي عن ابن عباس أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (سلوا الله ببطون أكفكم ولا تسأله بظهورها فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم) قال أبو داود روي هذا الحديث من غير وجه عن محمد بن كعب كلها واهية وهذا الطريق امثلها وهو ضعيف أيضاً. عون المعبود 4/ 251.
وقد علق الشيخ الألباني على هذه الرواية " فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم" فقال: - .. وعلى ذلك فهذه الزيادة منكرة ولم أجد لها حتى الآن شاهداُ .. "ثم قال "لا يصلح شاهداً للزيادة حديث ابن عمر مرفوعاً (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطمها تحى يمسح بهما وجهه) لأن فيه متهماً بالوضع ـ أي الكذب ـ وقال أبو زرعة: حديث منكر أخاف أن لا يكون له أصل. السلسلة الصحيحة 3/ 146.
وروى البيهقي بسنده عن علي الباشاني قال: سألت عبد الله بن المبارك عن الذي إذا دعا مسح وجهه، قال: لم أجد له ثبتاً، أي مستنداً.
وورد عن العز بن عبد السلام سلطان العلماء أنه قال " لا يمسح وجهة إلا جاهل". وبمناسبة الحديث عن دعاء القنوت أذكر بعض الأمور منها:
أولاً: ما نراه من بعض المصلين من المبالغة برفع أيدهم فوق رؤوسهم وأرى أن هذا الأمر فيه مبالغة واضحة وأن الأحاديث الواردة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في رفع اليدين عند الدعاء تدلى على مد اليدين وبسطهما ولا تدل على هذا الرفع المبالغ فيه.
قال الحافظ ابن حجر عند كلامه على حديث أنس أنه عليه الصلاة والسلام كان لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الإستسقاء وأنه يرفع حتى يرى بياض إبطيه، قال الحافظ: وهو معارض بالأحاديث الثابتة في الرفع في غير الإستسقاء .. الى أن قال: وذهب آخرون الى تأويل حديث أنس المذكور لأجل الجمع بأن يحمل النفي على صفة مخصوصة أما الرفع البليغ فيدل عليه قوله " حتى يرى بياض إبطيه" ويؤديه أن غالب الأحاديث التي وردت في رفع اليدين في الدعاء إنما المراد به مد اليدين وبسطهما عند الدعاء وكأنه عند الإستسقاء مع ذلك زاد فرفعمها الى جهة وجهه حتى حاذتاه وبه حينئذ يرى بياض إبطيه" فتح الباري 3/ 171.
لذلك فإني أرى ان ما يفعله بعض الناس من المبالغة الشديدة في رفع اليدين وجعلهما فوق الرأس إنما هو من الغلو في الدين وقد نهينا عن ذلك.
والأمر الثاني الذي أود التنبيه عليه وأذكر به إخواننا أئمة المساجد وهو التطويل في دعاء القنوت وغيره من الأدعية والأذكار والأفضل هو الأقتصار على الأدعية والأذكار الواردة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإن زاد على ذلك فلا بأس به بشرط ألا يكون الدعاء متكلفاً أو متضمناً مخالفة شرعية.
قال الإمام النووي عند ذكره لآداب الدعاي " الخامس: إن لا يتكلف السجع وقد فسر به الإعتداء في الدعاء والأولى أن يقتصر على الدعوات المأثورة فما كل أحد يحسن الدعاء فيخاف عيه الإعتداء" الأذكار ص 342.
وبعض أئمة المساجد من أجل أن يحافظ على السجع يأتي بأمور غير مقبولة في الدعاء.