فإذا ثبت بما مهدناه وقررناه، وبيناه من أن المسألة ترجع إلى قولين، لا ثالث لهما:
أحدهما: أن الواجب انتظار الصغار حتى يكبروا، دون حق يكون للعصبة معهم في القسامة، والقود. في نظر ولا استحقاق.
والقول الثاني: أن لهم ذلك في الاستحسان دون النظر، وضعف الاستحسان بما يبناه من أن العفو أولى من القود، لم يبق إلا وجوب انتظار البنين الصغار حتى يكبروا.
فإن قال قائل: إن القتل أولى من العفو، فالحجة عليه ما تلوناه من الآيات في العفو.
فإن قال: معنى ذلك في غير الدم، قيل له: الدليل على أنها على عمومها في الدم وغيره: ما رُوِي عن أنس بن مالك، قال: " أتى رجل بقاتل وليه إلى النيب، صلى الله عليه وسلم، فقال له: اعف، فأبى، قال: خذ الأَرش، فأبى، قال: أتقتله، فإنك مثله إن قتلته؟ فخلى سبيله "، فهذا نص بين في أن العفو أفضل من القود لأن النبي صلى الله عليه وسلم، لا يندب إلا إلى الذي أفضل، وقد بين ذلك صلى الله عليه وسلم، بقوله: " فإنك مثله إن قتلته "، لأن المعنى في ذلك: أن أجره يذهب باستيفاء حقه منه، وترك العفو عنه، ويذهب عن القاتل الوزر بالقود منه، لأنه يكون كفارة له، على ما جاء من أن: " الحدود كفارات لأهلها "، فيستويان جميعا في أنه لا أجر لواحد منهما، ولا وزر عليه.