له وكذلك نقول له: انه بقاؤها محال، وهو الذى قلته بعينه، فأين / [72] الدليل على أنها تبقى؟ فان قال: الدليل على ذلك انما هو في قولى بعد ذلك، «وفي حكم العقل بالجواز دليل على بقاء الذات، وتعاقب الصفات»، قيل له: انه اذ قد أقررت بفساد دليلك الأول، فهذا الثانى أيضا، أفسد منه، لأنك قلت: ان حكم العقل بالجواز دليل على بقاء الفرات، فجعلت جواز البقاء دليلا على وجوبه، فاذا ثبت الجواز ارتفع الوجوب، وهذا لا يخفى على من له أدنى محصول، لأن أحكام العقل ثلاثة لا رابع لها: واجب، وجائز، ومستحيل؛ فاذا ثبت في الشىء انه حائز استحال ان يكون واجبا، أو مستحيلا، واذا ثبت فيه انه واجب، استحال ان يكون جائزا أو مستحيلا، واذا ثبت فيه أنه مستحيل، استحال ان يكون جائزا أو واجبا.
وقوله بعد ذلك: «ويتخصص البقاء، المجوز بالعلم الضرورى، بخروج المحل عن الصفة إلى ضدها»، كلام لا يصح ايضا، لأن التخصيص انما يكون في الالفاظ العامة التى تحمل على عمومها، حتى يأتى ما يخصصها، وذلك في الاحكام الشرعيات، وأما الأحكام العقليات فلا تخصيص فيها، ولو جاز أن يطرأ على أحكام العقول ما يخصصها، لبطلت الأدلة، وانقضت الحقائق.
مذهب أهل السنة في بقاء الأجسام
فصل: فان قال لنا قائل: فقد نقضتم جميع ما استدل به على نافى بقاء الذات المتحيزة، فما الصحيح عندكم فيها: هل بقاؤها واجب، أو جائز، أو مستحيل؟ وما تصححونه من ذلك وتعتقدونه؟.