ينتقي بها التضاد والتعارض، عنها، وذلك أنه لا اختلاف بين أحد من أهل العلم، في أن الغنى أفضل من الفقر لمن يصلح بالغنى ولا يصلح بالفقر، وأن الفقر أفضل من الغنى لمن يصلح بالفقر، ولا يصلح بالغنى؛ لأن الله عز وجل على عباده حقوقا في حال الفقر، وفي حال الغنى، فمن قام بحقوق الله في حال الغنى، ولم يقم بها في حال الفقر، فالغنى له أفضل من الفقر، ومن قام بحقوق الله في حال الفقر، ولم يقم بها في حال الغنى، فالفقر أفضل له من الغنى.
هذا ما لا اختلاف فيه بين أحد من أهل العلم، وإنما اختلفوا فيمن كان يصلح بالفقر والغنى، لقيامه بحقوق الله، عز وجل، في كل واحد منهما، والأصح من القولين قول من قال: إن الغنى أفضل له من الفقر؛ لدلائل واضحة من القرآن، والسنن والآثار، ومن طريق النظر، أيضا، والاعتبار.
فنقول، فيما سألت عنه من الأحاديث، أن النبي صلى الله عليه وسلم، علم أن أنس بن مالك ممن يصلح بالفقر والغنى، لقيامه بحقوق الله عز وجل، في كلتا الحالتين، فدعا له بالذي هو أفضل له، من أن يكثر الله ماله وولده، وعلم من الأنصاري الذي اختار له الفقر على الغنى، وحضه عليه بقوله: " إن كنت تحبني فاتخذ الفقر جلبابا "، أو كما قال: إن الفقر أفضل له من الغنى، لما خشي عليه من ألا يقوم بحقوق الله تعالى عليه حال الغنى.
وقوله، صلى الله عليه وسلم: " اللهم من أحبني فامنعه المال والولد " ليس على