وتركت له حقها في حضانتها إياه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحا أحلَّ حراما، أو حرم حلالا "، وليس في ترك الحضانة له، بما بذل لها على ذلك، تحليل حرام ولا تحريم حلال، فوجب أن يجوز ذلك.
وإذا جاز، عند مالك وأصحابه، رحمهم الله، إذا خافت المرأة نشوز زوجها عليها، وخَشِيت مفارقته إياها، أن تترك له حقها، الذي أوجبه الله تعالى لها عليه في ألا يؤثر عليها من سواها من أزواجه على مال يعطيها إياه، بدليل قول الله عز وجل: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128]، جاز له أن تترك له حقها في حضانة ولدها منه، على مال تعطيها إياه، إذ لا فرق في المعنى بين الموضعين.
ومن قاس جواز ذلك على جواز تسليم الشفعة بعد وجوبها، على عوض، فما أبعد القياس!
وأما من منع من ذلك، قياسا على ما قالوه في المرأة تريد الحج، فيمنعها زوجها من ذلك، فتضع عند صداقها، على أن يبيح لها ذلك، فقد أخطأ في القياس؛ لأنه إنما لم يسقط عنه المهر بذلك، من أجل أنه يلزمه أن يأذن لها في ذلك، وذلك إذا لم تعلم أن الإذن لها في ذلك يلزمه، وأما إن علمت ذلك فتجوز عليها الوضيعة، والرواية بذلك منصوصة عن ابن القاسم.