ولما غشيه المشركون نزل عن بغلته واستنصر ودعا، فكان من دعائه وتضرعه ما أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد من حديث أنس بن مالك، وهذا سياقه:
78- حدثنا يزيد بن هارون1، أنا حميد، عن أنس قال: كان من دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين: "اللهم إنك إن تشأ لا تعبد بعد اليوم" 2.
ورواه الخطيب البغدادي من طريق يزيد بن هارون، حدثنا سفيان3 بن حسين، عن الزهري، عن أنس4.
قال الزرقاني: "قوله: "إنك إن تشأ لاتعبد بعد اليوم"؛ لأنه أول يوم لقي فيه المشركين بعد الفتح الأعظم ومعه المشركون والمؤلفة قلوبهم، والعرب في البوادي كانت تنتظر بإسلامها قريشا فلو وقع - والعياذ بالله تعالى - خلاف ذلك لما عبد الله"5.
وقال السفاريني: "في قوله: "إنك إن تشأ لا تعبد بعد اليوم"، أي: لأن معظم المسلمين أو كلهم إلا القليل قد كان حاضرا، وأهل مكة يومئذ لم يستحكم الإيمان فيهم، ولم تخالط بشاشته قلوبهم، بل كانوا ما بين مؤلف ومستأمن، ومظهر للإيمان على مضض منه وكره، والعرب أيضا معظمهم في ذلك اليوم حاضر، وقبائل الكفار قد تألبت واجتمعت اجتماعا لا مزيد عليه، فإذا لم ينصر الله دينه ويؤيد عبده ويعز جنده، ويكبت الكفار ويخذلهم، ويجعلهم وأموالهم غنيمة للمسلمين، نجم النفاق، وظهر الكفر والشقاق، وتكلمت الألسن بما أكنت الضمائر من العداوة والبغضاء والجحود والشرك الذي لا يرضى"6.
والحديث أورده ابن كثير ثم قال: إسناده ثلاثي على شرط الشيخين، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب7 من هذا الوجه8.