ووقعت جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار في جملة الأسرى، وجرت فيهم القسمة، فوقعت جويرية في سهم ثابت بن قيس بن شماس، أو ابن عم له، فكاتبته على نفسها وجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه في فكاك رقبتها، فوقفت بين يديه قائلة: "يا رسول الله أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه، وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك فوقعت في سهم لثابت بن قيس بن شماس، أو لابن عم له، فكاتبته على نفسي، فجئتك أستعينك على كتابتي"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فهل لك في خير من ذلك؟ " قالت: "وما هو يا رسول الله؟ ". قال: "أقضي عنك كتابتك وأتزوجك"، قالت: "نعم يا رسول الله قد فعلت"، فأدى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابتها وتزوجها، فقال الناس أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرسلوا ما بأيديهم من أسرى بني المصطلق، فلقد أعتق بتزويجه إياها مئة أهل بيت من بني المصطلق. فكانت أعظم بركة على قومها، على أن هذا النصر الميسر الذي حازه المسلمون قد شابه من أعمال المنافقين ما عكر صفوه وأنسى المسلمين حلاوته، وذلك بينما المسلمون على ماء الميرسيع وقد فرغوا من عدوهم وردت واردة الناس وكان مع عمر بن الخطاب أجير يقال له جهجاه فازدحم على الماء مع أجير للأنصار يقال له سنان بن وبرة الجهني فاقتتلا، فكسع المهاجري الأنصاري، فصاح الأنصاري: "يا للأنصار"، وصاح المهاجري: "يا للمهاجرين"، فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما بال دعوى الجاهلية؟ " قالوا: "يا رسول الله كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار"، فقال: "دعوها فإنها منتنة"، وسمع ذلك عبد الله بن أبي ابن سلول رأس النفاق وكان في رهط من قومه وحاشيته، وكان مطاعاً فيهم، فرأى أن الفرصة سانحة لإثارة حفائظهم وإحياء ما أماته الإسلام من نعرات الجاهلية، فقال: "أو قد فعلوها؟ ".

والله ما أعدَّنا وجلابيب قريش إلاَّ كما قال الأول: سمن كلبك يأكلك ثم أقبل على قومه فقال: هذا ما فعلتم بأنفسهكم، أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير داركم، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فسمع ذلك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015