الاتفاق بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وسهيل بن عمرو على عقد الصلح حتى طلع عليهما أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في الحديد، وكان قد خرج فاراً بدينه إلى المسلمين.
فلما رآه والده قام إليه فضرب وجهه وأخذ يجره بثيابه ليرده إلى مكة، وأبو جندل يستنجد برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالمسلمين ليحولوا بينه وبين أبيه، لكن ماذا يملك رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون؟ إنهم قد أعطوا قريشاً عهداً على رد من جاء من قبلها، فالأمر أصبح بيد قريش، وسهيل بن عمرو هو الناطق باسمها.
وحين رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم إصرار سهيل بن عمرو على رد أبي جندل تركه وشأنه، ثم أوصى أبا جندل بكلمات قال فيها: "يا أبا جندل اصبر واحتسب فإن الله عز وجل جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً".
ورجع سهيل بن عمرو بأبي جندل رضي الله عنه إلى مكة حيث الفتنة والتعذيب1.
وليست قصة أبي جندل هذه بأعجب من قصة أبي بصير رضي الله عنه، فأبو بصير ترك مكة فراراً بدينه من الفتنة، وقدم المدينة، لكنه لم يكد يستعيد أنفاسه حتى قدم في طلبه رجلان من قبل قريش.
فما الذي سيحدث يا ترى؟
هل خوف أبي بصير على دينه من الفتنة سيشفع له في عدم إسلامه لرسولي قريش؟
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدرك حال أبي بصير تماماً ويشفق عليه أيما إشفاق، كيف لا! والله عز وجل يقول في حقه: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} 2.
لكن كان يحول بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين حماية أبي بصير من قريش العهد الذي أخذته قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم.