ولكن ما الذي يحدث حين تترسخ تلك المعاني في شعورهم؟
إن تلك المعاني - إذا تمكنت من قلب المسلم - لكفيلة بأن تصبغ حياته كلها بصبغة العبودية لله وحده، وإذا شملت العبادة كل نواحي حياة المسلم فإن لهذا الشمول آثاراً مباركة سوف يشعر بها الفرد في نفسه ثم يلمسها فيمن حوله "ومن أبرز تلك الآثار أمران:
الأول: أنه يصبغ حياة المسلم وأعماله فيها بالصبغة الربانية، ويجعله مشدوداً إلى الله في كل ما يؤديه، فهو يقوم بنية العابد الخاشع، وروح القانت المخبت، وهذا يدفعه إلى الاستكثار من كل عمل نافع، وكل إنتاج صالح، وكل ما ييسر له ولأبناء نوعه الانتفاع بالحياة، على أمثل وجوهها، فإن ذلك يزيد رصيده من الحسنات والقربات عند الله تعالى كما يدعوه هذا المعنى إلى إحسان عمله الدنيوي وتجويده وإتقانه، ما دام يقدمه إلى ربه سبحانه ابتغاء رضوانه وحسن مثوبته.
الثاني: أنه يمنح المسلم وحدة الوجهة، ووحدة الغاية في حياته كلها، فهو يرضى رباً واحداً في كل ما يأتي ويدع، ويتجه إلى هذا الرب بسعيه كله الديني والدنيوي، لا انقسما ولا صراع، ولا ازدواج في شخصيته ولا في حياته" 1.
وقد يقول قائل - انطلاقاً من واقعنا المؤلم الذي تلاشت فيه هذه المعاني أو كادت - إن هذه المعاني خيالات وأوهام لا تعدو ذهن قائلها ولا رصيد لها من الواقع، ونحن نطالبه أن يرجع إلى الوراء قليلاً فينظر واقع الصحابة رضوان الله عليهم كيف استحالت تلك المعاني إلى حقائق ملموسة في حياتهم كلها، وما حفظ الله سيرتهم إلا لتكون حجة على كل من جاء بعدهم.