الله صلى الله عليه وسلم متوكئاً على عصا فقمنا إليه فقال: " لا تقوموا كما تقوم الأعاجم، يعظم بعضهم بعضاً"1.

وذكر المنذري عقب هذين الحديثين حديث جابر عند مسلم، وفيه: "أنهم لما صلوا خلفه قعوداً قال: فلما سلم، قال: "إن كدتم آنفاً أن تفعلوا فعل فارس والروم، يقومون على ملوكهم وهم قعود فلا تفعلوا"2.

والمنذري أورد هذا الحديث عقب الحديثين السابقين لتقويتهما، وكأنه يرى أن مدلولهما واحد، فتعقبه ابن القيم بقوله: "وحمل أحاديث النهي عن القيام على مثل هذه الصورة ممتنع، فإن سياقهم يدل على خلافه، وأنه صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن القيام به إذا خرج عليهم، ولأن العرب لم يكونوا يعرفون هذا النوع، وإنما هو من فعل فارس والروم، ولأن هذا لا يقال له قيام للرجل، وإنما هو قيام عليه ففرق بين القيام للشخص المنهي عنه، والقيام عليه المشبه لفعل فارس والروم، والقيام إليه عند قدومه وهو سنة العرب وأحاديث الجواز تدل عليه فقط"3 اهـ.

فمن خلال كلام ابن القيم هذا يظهر لنا الفرق بين القيام للشخص الذي ورد فيه حديث معاوية، والقيام على الشخص الذي فعله المغيرة، وقد ورد بخصوصه حديث جابر السابق، وقد علق عليه النووي بقوله: "وفيه النهي عن قيام الغلمان والتباع على رأس متبوعهم الجالس لغير حاجة"4.

وقد ساق ابن حجر كلام ابن القيم في التفريق بين أنواع القيام ثم عقب عليه بقوله: "وقد ورد في خصوص القيام على رأس الكبير الجالس ما أخرجه الطبراني في الأوسط عن أنس قال: "إنما هلك من كان قبلكم بأنهم عظموا ملوكهم بأن قاموا وهم قعود"5.

فالحاصل: أن نوع القيام الذي فعله المغيرة بن شعبة رضي الله عنه منهي عنه، والمرخص فيه منه ما كان في مثل تلك الحالة التي فعلها فيها المغيرة، وهي حال قدوم رسل العدو، ليروا مدى طاعة المسلمين لإمامهم وحمايتهم له، وأحسب ابن

1 سنن أبي داود مع معالم السنن، كتاب الأدب: 5230.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015