محمد وعهده دخل، ومن شاء أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل، فتواثبت خزاعة وقالوا: نحن في عقد محمد وعهده، وتواثبت بنو بكر وقالوا: نحن ندخل في عقد قريش وعهدهم، فمكثوا في تلك الهدنة نحو السبعة أبو الثمانية عشر شهراً، ثم إن بني بكر وثبوا على خزاعة ليلاً بماء يقال له الوتير1، وهو قريب من مكة، وقالت قريش: ما يعلم بنا محمد، وهذا الليل وما يرانا من أحد فأعانوهم عليهم بالكراع والسلاح، وقاتلوهم معهم للضغن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن عمرو بن سالم ركب عندما كان من أمر خزاعة وبني بكر بالوتير، حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبر الخبر، وقد قال أبيات شعر فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنشده إياها:
يا رب إني ناشد محمدا ... حلف أبينا وأبيه الأتلدا2
قد كنتموا وُلْدا وكنا والدا ... ثمت أسلمنا فلم ننزع يدا
فانصر رسول الله نصراً أيِّدا ... وادع عباد الله يأتوا مددا
فيهم رسول الله قد تجردا ... إن سِيْم خسفاً3 وجهه تربدا
في فيلق كالبحر يجري مُزْبِدا ... إن قريشاً أخلفوك الموعدا
ونقضوا ميثاقك المؤكدا ... وجعلوا لي في كَداء4 رَصَدا
وزعموا أن لست أدعوا أحدا ... فهم أذلّ وأقل عددا
هم بيتونا بالوَتِير هُجّدا ... وقتلونا ركعاً وسجدا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نصرت يا عمرو بن سالم" فما برح حتى مرت بنا عنانة في السماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بالجهاز، وكتمهم مخرجه، وسأل الله أن يُعمِّي على قريش خبره، حتى يبغتهم في بلادهم5.
وقد نقل ابن حجر6 هذا الحديث عن مغازي ابن إسحاق أيضاً.