...
المطلب الأول: تخلي قريش عن أهم شروطها:
كان الصلح في ظاهر شروطه لصالح قريش، حتى وجد المسلمون في أنفسهم من ذلك ما وجدوا، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قبل تلك الشروط كان يسير بتوجيه من الله العليم بما سيكون كيف يكون، فكان واثقاً كل الثقة أن كفته هي الراجحة، وإن ظهر للناس ما ظهر، وقد صرح بذلك في جوابه لعمر حين قال له عمر: "فعلام نعطي الدنية في ديننا إذاً؟ فأجابه صلى الله عليه وسلم بقوله: "إني رسول الله ولست أعصيه، وهو ناصري ... "1.
أما قريش فكان محركها في سيرها هو العُنجُهِيَّة وحب السمعة، وقد صرحوا بذلك في وصيتهم لسهيل بن عمرو حين بعثوه للمفاوضة حيث قالوا له: ائت محمداً فصالحه ولا يكون في صلحه إلا أن يرجع عنا عامه هذا، فوالله لا تتحدث العرب أنه دخلها علينا عنوة أبداً" 2.
وعلى أساس من هذه الوصية بنى سهيل بن عمرو شروطه للصلح، فعندما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به" فقال سهيل: "والله لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضُغْطَة ... "3.
وهكذا كان هدف قريش هو الحفاظ على سمعتها دون نظر للعاقبة ولذلك صارت شروطها وبالاً عليها حتى تخلت عن أهم تلك الشروط، فطلبت من النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤوي من جاءه من مكة مسلماً ولا يرده إليها:
ففي حديث المسور ومروان من طريق معمر بعد أن ذكر قصة أبي بصير وقتله للذي جاء في طلبه من قبل قريش قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد" فلما ذكر ذلك عرف أنه سيرده عليهم فخرج حتى أتى سيف البحر، قال: وينفلت أبو جندل بن سهيل فلحق بأبي بصير فجعل لا يخرج من قريش رجل