...
المطلب الأول: وفاء المسلمين بالعهد:
لقد تألم المسلمون كثيراً ووجدوا في أنفسهم من بعض الشروط التي أملتها قريش، وجدوا في أنفسهم أنهم رأوا أن الرضا بها يعبر عن الضعف والاستكانة أمام الكفار بل صرح عمر رضي الله عنه بذلك حين قال: "فعلام نعطي الدنية في ديننا إذن"1.
لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رضي تلك الشروط ووقّع العقد مع قريش عليها، وصرح بأنه إنما يفعل ذلك بأمر الله2، فليس أمام المسلمين إلا التسليم والرضا بما رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} 3.
ولقد سلموا لأمر الله ورسوله تسليماً يصاحبه الإيمان بأن الخير فيما اختاره الله، وقد ترجموا ذلك بأفعالهم، فقد رأينا في قصة أبي جندل4 مع أبيه كيف ابتزه من بين ظهرانيهم وهو يستغيث فلا يستجاب له، وهذا أبو بصير يلحق بهم في المدينة ثم تسترجعه قريش من ثم ... فقد جاء في حديث المسور ومروان من طريق معمر ما نصه: "ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فجاءه أبو بصير رجل من قريش وهو مسلم، فأرسلوا في طلبه رجلين فقالوا: العهد الذي جعلت لنا، فدفعه إلى الرجلين، فخرجا به حتى إذا بلغا ذا الحليفة فنزلوا يأكلوا من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيداً، فاستله الآخر فقال: أجل والله إنه لجيد لقد