مدى اهتمام المحدثين بنقد متن الحديث، وأما الحكم عليهم بالتقصير في ذلك فليس صحيحاً بل هو وهم وقع فيه المستشرقون وتابعهم أحمد أمين والآخرون، ولعل سبب ذلك عدم الإحاطة بدقة بالنتاج الفكري الضخم في الحديث، وهو نتاج يصعب الإحاطة به وفحصه بدقة مما أدى إلى الحكم الظاهري على منهج المحدثين من خلال ملاحظة كمية الكتب المؤلفة في علم الرجال والمتعلقة بالأسانيد، وهي ظاهرة طبيعية في تاريخ الحركة الفكرية في الإسلام، بسبب الزيادة المطردة في إعداد رواة الحديث بتتابع الأجيال، وهي نتيجة طبيعية لاعتماد الرواية وطرق التحمل المعتبرة في نقل الأحاديث حتى بعد مرحلة التدوين الواسع في القرنين الثاني والثالث الهجريين، إذ استمرت طرق التحمل معتبرة حتى فترة متأخرة، فلما لاحظ المستشرقون غزارة الإنتاج في علم الرجال حكموا على المحدثين بالاتجاه إلى نقد السند وإهمال المتن، إذ لا يمكن بعد الفحص الدقيق لكتب شروح الحديث وكتب المصطلح التي حوت عناوين في المعلل والشاذ والمدرج أن ينتهي إلى هذه النتيجة (?) ، فالضوابط التي وضعوها لنقد المتن لا تقل عن الضوابط التي وضعوها لنقد السند.