لقد اتسم منهج النقد الحديثي بالمرونة في التعامل مع الروايات والأحاديث فما يتعلق منها بالعقيدة أو الشريعة تعرض لنقد شديد، في حين يخفف المنهج من شروطه أمام أحاديث الرقاق والترغيب والترهيب والروايات التاريخية والأدبية.
إن أصحاب المنهج الحديثي لم يسعوا إلى تطبيقه في نطاق المرويات الأدبية والأخبار التاريخية تطبيقاً حرفياً، فالفنون الأدبية لها ضوابطها هي الأخرى، قال إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد: "سألت يحيى بن معين عن محمد بن مناذر الشاعر فقال: "لم يكن بثقة ولا مأمون، رجل سوء نفي من البصرة، وذكر منه مجوناً وغير ذلك، قلت: إنما يكتب عنه شعر" وحكايات عن الخليل ابن أحمد الفراهيدي، فقال: هذا نعم. كأنه لم ير بهذا بأساً، ولم يره موضعاً للحديث" (?) .
وإذا درسنا تاريخ تطبيق المنهج باستعراض المؤلفات التي التزمت به فإن كتب الحديث ولا سيما صحيحي البخاري ومسلم والسنن الأربع وموطأ مالك، تبدو أدق التزاماً بقواعد هذا المنهج. أما الكتب التاريخية فإن ابن سعد وخليفة بن خياط والفسوي يقفون في مقدمة المؤرخين المعنيين بتطبيق قواعد منهج المحدثين في الرواية بالتزام ذكر الأسانيد مع انتخاب الروايات والمرونة في التعامل مع المنهج بالنسبة للروايات التي لا تتعلق بالدين؛ ولذلك فإن مستوى الرواة في العدالة ودرجتهم في الضبط بالجملة لا ترقى إلى مصاف رواة