بروايته، والشرط الرابع في الراوي: هو الضبط، سواء أكان ضبط صدر أم كتاب: بأن يكون سليم الذاكرة والفهم إذا حفظ، صحيح الكتابة والنقل إذا دوّن. فإذا اختلط أو كثرت غفلته في فترة ما فإنه يسقط توثيقه مهما بلغ ورعه أو سلامة نيته، بل إن سلامة النية قد تؤدي إلى السذاجة والغفلة مما يؤثر في دقة الراوية، لذلك قال ابن سيرين: "لم نر الصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث" (?) ، فلا بد للراوي من التمتع بعقل سليم، وتصوُّر مستنير، وقدرة جيدة على التمييز، فإذا اختلت قواه النفسية والعقلية فإن روايته مرفوضة. وهذا ما انتهى إليه المنهج النقدي الحديث إذ اشترط في الباحث "أن يكون فطناً حتى يقف دون عناء كبير على التفاصيل الهامة أو الظروف الأساسية التي تؤثر تأثيراً فعالاً في الظاهرة التي يلاحظها ويجري التجارب عليها" (?) .
وأما المروي فقد اشترط أن يكون مسموعاً على العلماء وليس مأخوذاً من الكتب والنسخ دون تملك حق روايتها، وهذا الشرط لحماية الرواية من التحريف والتصحيف والخطأ في الفهم، فالعالم هو الذي سيبين النطق الصحيح والفهم الصحيح للرواية.