لقد انتبه المحدِّثون منذ القرن الثامن الهجري لأهمية دراسة السيرة وفق مناهجهم بنقد أسانيدها ومتونها مثل الذهبي وابن كثير، لكنهم غلَّبوا إكمال نقد الأحاديث النبوية على أخبار السيرة، لما يترتب على الأحاديث من أحكام شرعية.
ومع اتساع نطاق التعليم في العصر الحاضر، وازدياد الاهتمام بالسيرة النبوية على نطاق واسع، ولما لها من أثر قوي في تربية الأجيال الإسلامية وتحديد قيمها، صار من اللازم التأكد من صحة المعلومات قبل تحليلها تربوياً وقيمياًً.
وقد هيأ العصر الحديث من الوسائل الحديثة والتقنيات المطورة ما يُيسر مهمة إنجاز الموسوعات الحديثية وموسوعات السيرة النبوية وبقية العلوم الإسلامية وربطها ببعضها ليخدم بعضها بعضاً، ويكمل معلوماته ولتتم المقارنة بين الروايات وتفسيرها بنطاق واسع، وقد أثبتت التجارب الأولية جدوى الإفادة من الكمبيوتر وبرامجه، وإن لم تحقق الهدف على الوجه المطلوب لقصور في البرمجة والخبرة العلمية معاً.
وتفيد الدراسات الحديثة ذات المنهج النقدي الحديثي بأن الروايات التي أوردها الرواة الضعفاء تعطي صورة مشوهة لبعض أحداث السيرة النبوية، أما أثر الأخباريين في هذا التشويه فهو محدود؛ لعدم عنايتهم بالسيرة التي عني بها المحدثون، فجاءت مروياتها تتسم بالجدية بعيداً عن المبالغة والخيال، وكثير منها ينقلها شهود عيان معروفون بالصدق والمروءة.
ولكن دخول مرويات الرواة الضعفاء إلى كتب السيرة يظهر في الكتابات المتأخرة مثل السيرة الحلبية، ويقلُّ أثرهم في كتب السيرة المبكرة، ويبدو أن