فَهَذِهِ الْآيَة مِمَّا يُحَقّق مَا تقدم من تَأْوِيل الْآيَة الَّتِي احْتَجُّوا بهَا وَصِحَّة معتقدنا وَالْحَمْد لله
وَلَا وَجه للاستدلال بِالْآيَةِ الَّتِي ذكرُوا مَعَ وجود هَذِه الْآيَة فَإِن الْحق سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُول {وَلَو شَاءَ الله مَا أشركوا} بالْقَوْل الصَّرِيح الْمفصل الَّذِي لَيْسَ للتأويل فِيهِ مدْخل
رَجعْنَا إِلَى كَلَام إِمَام الْحَرَمَيْنِ رَضِي الله عَنهُ قَالَ وَمِمَّا يستدلون بِهِ الْعَوام الِاسْتِدْلَال بقوله تَعَالَى {وَمَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا ليعبدون} وَهِي عَامَّة فِي صفتهَا متعرضة لقبُول التَّخْصِيص عِنْد الْقَائِلين بِالْعُمُومِ مجملة عِنْد مُنكر الْعُمُوم
وَلَا يسوغ الِاسْتِدْلَال فِي الْقطعَة بِمَا يتَعَرَّض للاحتمال أَو يتَعَدَّى للإجمال وَمذهب الْمُعْتَزلَة أَن الْعُمُوم إِذا دخله التَّخْصِيص صَار مُجملا فِي بَقِيَّة المسميات وَلَا خلاف أَن الصّبيان والمجانين مستثنون
وَذَلِكَ مُوجب الْآيَة تَخْصِيصًا وأصل الْعِبَادَة التذلل وَالطَّرِيق المعبدة هِيَ المذللة بالدوس
قَالَ فَالْمُرَاد بِالْآيَةِ وَمَا خلقهمْ إِلَّا ليذلوا ثمَّ من منع فقد أبدى تذلله وَمن عبد فشواهد الْفطْرَة وَاضِحَة على تذلله وَإِن تعرض وافترى
قَالَ وَالْحمل على ذَلِك أمثل من الْحمل على تنَاقض فَإِن الرب تَعَالَى علم أَن مُعظم الخليقة سيكفرون فَيكون التَّقْدِير وَمَا خلقت من علمت أَنه يكفر إِلَّا ليؤمن وَهَذَا لَا وَجه لَهُ
قلت وَهَذَا ظَاهر لِأَنَّهُ يصير التَّقْدِير وَمَا خلقت من علمت أَنه لَا يُؤمن إِلَّا ليؤمن إِذْ قد علم سُبْحَانَهُ أَن الْكَافرين لَا يُؤمنُونَ