قلت وَمِمَّا يدل أَيْضا على أَن الْعقل سَبَب النجَاة من الْمَحْذُور أَنه لَا يفكر فِي عواقب الْأُمُور وَيخَاف من تقلب الدهور إِلَّا عَاقل حذور بالهموم مغمور وَأما غير الْعَاقِل فَهُوَ سَالَ ساه لاه غافل وَلِهَذَا قَالَ الْقَائِل
(إِذا قل عقل الْمَرْء قلت همومه ... وَمن لم يكن ذَا مقلة كَيفَ يرمد)
وَفِي مدح الْعقل أَيْضا أحسن الْقَائِل وَصدق عَدو عَاقل خير من صديق أَحمَق قلت وَهَذَا معنى مَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي قَوْله وَالْعقل باعث
وَأما قَوْله والطبع قَابل فَهُوَ بِالْبَاء الْمُوَحدَة قبل اللَّام وَيصِح أَن يُقَال بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق وَمَعْنَاهُ ظَاهر لما قد علم فِي النَّفس من الطباع الردية الْمُشْتَملَة على الْأَوْصَاف الذميمة المحتاجة فِي إِزَالَتهَا إِلَى الرياضات والمجاهدات الشَّدِيدَة حَتَّى تتبدل بِتَوْفِيق الله سُبْحَانَهُ بِالصِّفَاتِ الحميدة وَإِلَّا فَلَا تزَال بصاحبها إِلَى الْأَهْوَاء مائلة حَتَّى تمسي وَهِي لَهُ قاتلة
وَأما على الْوَجْه الأول أَي بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَهُوَ الظَّاهِر الَّذِي هُوَ لَهُ قَاصد حجَّة الْإِسْلَام أَبُو حَامِد فَمَعْنَاه أَنه إِذا فهم الْعقل الْإِنْذَار وَجوز إِمْكَان وُقُوع الأخطار فَإِن الطَّبْع يقبل النصح ويستشعر الْخَوْف فيستحث على الحذر من الْوُقُوع فِي الضَّرَر ثمَّ الضَّرَر الْأَعْظَم مَوْجُود فِي الْجَهْل بِاللَّه تَعَالَى وَمُخَالفَة حكمه الْمُعظم فِي ترك الْوَاجِبَات وارتكاب المنهيات
وَمَعْرِفَة ذَلِك كُله مُسْتَفَاد من الشَّرْع الْمَعْرُوف بالمشرع الْمُدَّعِي الرسَالَة الشاهدة على صدق دَعْوَاهُ معجزته المحتملة قبل النّظر فِيهَا للصدق المفضي ترك النّظر فِيهِ إِلَى الضَّرَر المستحث الطَّبْع على