وَأَقُول أَيْضا الصَّنْعَة صادرة عَن صِفَات الصَّانِع وَلَا أكمل من صِفَاته تَعَالَى فَلَا أكمل من صَنعته إِذْ صِفَاته تَعَالَى فِي نِهَايَة الْكَمَال والجلال فصنعته فِي غَايَة الْكَمَال وَالْجمال
وَأَقُول أَيْضا هَذَا الْوُجُود الدنيوي مِنْهُ والأخروي والعلوي والسفلي وَمَا اشْتَمَل عَلَيْهِ من أَنْوَاع الحكم الْبَالِغَة الباهرة والمحاسن الْبَاطِنَة وَالظَّاهِرَة أبدع كل بديع وَوُجُود أبدع من الأبدع محَال فوجود أبدع من هَذَا الْوُجُود محَال
فَإِن قَالَ يلْزم من هَذَا حصر الْقُدْرَة من كَابر فِي النزاع قلت لَا تعلق للقدرة بالمحال بِالْإِجْمَاع فَإِن لم ينْزع عَن النزاع وأصر على المكابرة زاعما أَن ذَلِك يُؤَدِّي إِلَى حصر الْقُدْرَة قلت لَهُ مَا تَقول هَل يُمكن فِي قدرَة الله تَعَالَى خلق أكمل من أكمل كل مَخْلُوق فَإِن قَالَ لَا فقد قَالَ يعجز الْقَادِر على كل شَيْء جلّ وَعلا وَإِن قَالَ نعم قلت فَهَل يُمكن أَن يخلق أكمل من أكمل مَخْلُوق فِي جَمِيع الأكوان والآفاق فَإِن قَالَ نعم فقد جعل أكمل من الْأَكْمَل وَهُوَ بَاطِل بالِاتِّفَاقِ وَإِن قَالَ لَا فقد حصر الْقُدْرَة على قِيَاسه وَكفر فِي ذَلِك نَفسه بِنَفسِهِ وَظهر بطلَان مَا ألزمهُ من التَّكْفِير بِزَعْمِهِ لحجة الْإِسْلَام وانقلب عَلَيْهِ مَا وَجهه إِلَيْهِ فِي ذَلِك الْإِلْزَام
وَهَذَا مَا اقتصرت عَلَيْهِ من الْجَواب عَن قَول الإِمَام أبي حَامِد علم الْأَعْلَام وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْخَبِير العلام وكل من لَهُ بَصِيرَة يعلم أَن فِي هَذَا الْعَالم الَّذِي هُوَ عَالم الْملك وعالم الْحِكْمَة وعالم الْخلق وعالم الشَّهَادَة من الحكم الَّتِي هِيَ من المحاسن الْبَاطِنَة الفائقة على المحاسن الظَّاهِرَة مَا لَا تهتدي الْعُقُول إِلَّا إِلَى الْيَسِير مِنْهُ مِمَّا اشْتَمَلت عَلَيْهِ هَذِه الدَّار من خير وَشر ونفع وضر وصفو وكدر ومليح وقبيح وَسَقِيم وصحيح وكريم وشحيح وعالم وجاهل وَمَجْنُون وعاقل وناقص وكامل وفقير وغني وَضَعِيف وَقَوي وشريف ودني وجماد