ذَهَبِ ابْنَ عَبَّاسٍ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ. قِيلَ: مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَشْبَهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَمَذْهَبُ عَلِيٍّ أَقْرَبُ وَأَلْيَقُ بِالْفِقْهِ. هَذَا كَلَامُ الشُّرَّاحِ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ التَّخْيِيرُ، وَلِذَى قَالَ الطَّحَاوِيُّ مِنْ أَئِمَّتِنَا: ذَهَبَ إِلَى كُلٍّ قَوْمٌ، وَهَذَا عِنْدَنَا مَنْسُوخٌ، أَوِ الْأَمْرُ بِالْغُسْلِ فِي الصُّورَتَيْنِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُعَالَجَةِ لِإِزَالَةِ قُوَّةِ الدَّمِ وَكَثْرَتِهِ، وَفَصَّلَ تَفْصِيلًا حَسَنًا فِي مُشْكِلَاتِ الْآثَارِ. (عَلَى أَنْ تُؤَخِّرِينَ الظُّهْرَ) : أَيْ: إِلَى زَمَنٍ يَسَعُهَا، وَطَهَارَتَهَا ; إِذْ تَأْخِيرُهَا إِلَى أَقَلِّ مِنْ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ (وَتُعَجِّلِينَ الْعَصْرَ) : أَيْ: فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا (فَتَغْتَسِلِينَ وَتَجْمَعِينَ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: إِثْبَاتُ النُّونِ فِي أَنْ تُؤَخِّرِينَ وَتُعَجِّلِينَ وَغَيْرِهِمَا فِي مَوَاقِعِ (أَنْ) الْمَصْدَرِيَّةِ مَنْقُولٌ عَلَى مَا هُوَ مُثْبَتٌ فِي كُتُبِ الْأَحَادِيثِ مَعَ تَعَسُّرِ تَوْجِيهِهَا، إِلَّا أَنْ يُقَالَ: إِنْ هَذِهِ هِيَ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَضَمِيرُ الشَّأْنِ مُقَدَّرٌ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: الظَّاهِرُ أَنَّهَا مَصْدَرِيَّةٌ لَكِنَّهَا لَا تَنْصِبُهُ حَمْلًا عَلَى مَا الْمَصْدَرِيَّةِ، وَمِنْهُ قِرَاءَةُ ابْنِ مُجَاهِدٍ: " {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] " كَمَا أَنَّ مَا قَدْ تَنْصِبُ حَمْلًا عَلَى أَنْ وَمِنْهُ: كَمَا تَكُونُوا يُوَلَّى عَلَيْكُمْ فِي رِوَايَةٍ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُخَفَّفَةً مِنَ الثَّقِيلَةِ. اهـ.
لَكِنَّ الْمَفْهُومَ مِنَ الْمَعْنَى أَنَّ شَرْطَهَا أَنْ تَقَعَ بَعْدَ فِعْلِ الْيَقِينِ أَوْ مَا نَزَلَ مَنْزِلَتَهُ، فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ: إِنْ قَوِيتِ عَلَى مَعْنَى إِنْ عَلِمْتِ مِنْ نَفْسِكِ، أَوْ ظَنَنْتِ مِنْهَا الْقُوَّةَ وَالْقُدْرَةَ عَلَى ذَلِكَ (بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ) : أَيْ: بِغُسْلٍ وَاحِدٍ (الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ) : بِالْجَرِّ بَدَلٌ، وَيَجُوزُ رَفْعُهُمَا وَنَصْبُهُمَا (وَتُؤَخِّرِينَ الْمَغْرِبَ وَتُعَجِّلِينَ الْعِشَاءَ) : كَمَا سَبَقَ (ثُمَّ تَغْتَسِلِينَ وَتَجْمَعِينَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، فَافْعَلِي. وَتَغْتَسِلِينَ مَعَ الْفَجْرِ فَافْعَلِي) : هَذَا تَأْكِيدٌ، وَالشَّرْطِيَّةُ بِاعْتِبَارِ الْمَجْمُوعِ (وَصُومِي) : أَيْ: فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ الَّتِي تُصَلِّي فَرْضًا وَنَفْلًا (إِنْ قَدَرْتِ عَلَى ذَلِكَ) : بَدَلٌ مِنَ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ يَنْصُرُ قَوْلَ الْخَطَّابِيُّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَهَذَا) : أَيْ: أَمْرُ الِاسْتِحَاضَةِ (أَعْجَبُ الْأَمْرَيْنِ إِلَيَّ) : وَهُمَا السَّفَرُ وَالِاسْتِحَاضَةُ قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِشَارَةَ إِلَى الْأَمْرِ الْأَخِيرِ، وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ ; لِأَنَّ فِيهِ رِفْقًا بِهَا، وَالْأَمْرُ الْأَوَّلُ هُوَ الِاغْتِسَالُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَأَعْجَبُ مَعْنَاهُ أَحَبُّ وَأَسْهَلُ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ) .