(فَرَآهَا بَعْضُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : يُرَادُ بِهَا عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَجَمَعَهَا فِي قَوْلِهِ: (فَقُلْنَ) : تَعْظِيمًا لِشَأْنِهَا. ذَكَرُهُ الطِّيبِيُّ، وَلَا يَبْعُدُ مُشَارَكَةُ غَيْرِهَا مَعَهَا فِيمَا رَأَتْهُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ: بَعْضُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ قَوْلِهِ: فَقُلْنَ (يَا فَاطِمَةُ! رَأَيْنَاكِ بِكَيْتِ ثُمَّ ضَحِكْتِ) . وَلَعَلَّهُنَّ كُنَّ فِي مَكَانٍ مُتَأَخِّرٍ عَنْهَا. أَوْ تَسَارَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَهَا كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، حَيْثُ امْتَنَعَتْ عَنِ الْجَوَابِ حِينَئِذٍ، ثُمَّ أَخَّرَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (فَقَالَتْ) : وَالنُّسْخَةُ الصَّحِيحَةُ. قَالَتْ: ( «إِنَّهُ أَخْبَرَنِي أَنَّهُ قَدْ نُعِيَتْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ فَبَكَيْتُ، فَقَالَ: لَا تَبْكِي فَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِي لَاحِقٌ بِي فَضَحِكْتُ» ) . قَالَ الْأَكْمَلُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا عَاشَتْ بَعْدَهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ: ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ، شَهْرَيْنِ، وَقِيلَ: سَبْعِينَ يَوْمًا.
(وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1] ، وَجَاءَ أَهْلُ الْيَمَنِ) : عَطْفٌ عَلَى جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَتَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} [النصر: 2] وَإِيذَانٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّاسِ هُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ (هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً) ، أَيْ: أَرْحَمُ قُلُوبًا وَأَلْيَنُ صُدُورًا (وَالْإِيمَانُ يَمَانٍ) ، أَيْ يَمَنِيٌّ، وَالْأَلِفُ عِوَضٌ عَنْ يَاءِ النِّسْبَةِ، قِيلَ: إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْإِيمَانَ بُدِئَ مِنْ مَكَّةَ، وَهِيَ تِهَامَةُ وَتِهَامَةُ مِنْ أَرْضِ الْيَمَنِ، وَلِذَا يُقَالُ: الْكَعْبَةُ الْيَمَانِيَّةُ، وَقِيلَ: إِنَّهُ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ وَهُوَ بِتَبُوكَ، وَمَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ يَوْمَئِذٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْيَمَنِ، فَأَشَارَ إِلَى نَاحِيَةِ الْيَمَنِ وَهُوَ يُرِيدُ مَكَّةَ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْمُرَادُ بِهِمُ الْأَنْصَارُ لِأَنَّهُمْ يَمَانِيُّونَ فِي الْأَصْلِ، فَنُسِبَ الْإِيمَانُ إِلَيْهِمْ لِكَوْنِهِمْ أَنْصَارَهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ: بَلِ الْمُرَادُ بِهِ أَهْلُ الْيَمَنِ، كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ نُسِبَ الْإِيمَانُ إِلَيْهِمْ إِشْعَارًا بِكَمَالِهِ فِيهِمْ ; لِأَنَّ مَنِ اتَّصَفَ بِشَيْءٍ وَقَوِيَ قِيَامُهُ بِهِ نُسِبَ ذَلِكَ الشَّيْءُ إِلَيْهِ لَا أَنَّ فِي ذَلِكَ نَفْيًا لَهُ عَنْ غَيْرِهِ، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «الْإِيمَانُ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ» ) ، ثُمَّ الْمُرَادُ بِهِمُ الْمُوَحِّدُونَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، لَا كُلُّ أَهْلِ الْيَمَنِ فِي جَمِيعِ الْأَحْيَانِ. (وَالْحِكْمَةُ) : وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ إِتْقَانِ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَقِيلَ: الْإِصَابَةُ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ. قَالَ تَعَالَى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269] وَقَالَ الطِّيبِيُّ: الْحِكْمَةُ كُلُّ كَلِمَةٍ صَالِحَةٍ تَمْنَعُ صَاحِبَهَا عَنِ الْوُقُوعِ فِي الْمَهَالِكِ (يَمَانِيَّةٌ) . بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَكَذَلِكَ الْأَلِفُ فِيهِ عِوَضٌ، وَحَكَى الْمُبَرِّدُ وَغَيْرُهُ أَنَّ التَّشْدِيدَ لُغَةٌ. (رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ) . وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: (الْإِيمَانُ يَمَانٍ) . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَرَوَى ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ أَنَسٍ: الْحِكْمَةُ تَزِيدُ الشَّرِيفَ شَرَفًا، وَتَرْفَعُ الْعَبْدَ الْمَمْلُوكَ حَتَّى تُجْلِسَهُ مَجَالِسَ الْمُلُوكِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ عَدِيٍّ وَابْنِ لَالٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: الْحِكْمَةُ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ تِسْعَةٌ مِنْهَا فِي الْعُزْلَةِ وَوَاحِدٌ فِي الصَّمْتِ.