الرَّجُلُ أَلَمَ الْجِرَاحِ، فَأَهْوَى بِيَدِهِ) أَيْ: قَصَدَ وَمَالَ (إِلَى كِنَانَتِهِ) : بِكَسْرِ أَوَّلِهِ أَيْ: إِلَى جُعْبَتِهِ وَهِيَ ظَرْفُ سَهْمِهِ (فَانْتَزَعَ سَهْمًا) أَيْ: فَأَخْرَجَهُ (فَانْتَحَرَ) أَيْ: نَحَرَ نَفْسَهُ (بِهَا) . أَيْ: بِالْمِعْبَلَةِ الَّتِي هِيَ مُرَكَّبَةٌ فِي السَّهْمِ وَهِيَ كَمِكْنَسَةِ نَصْلٌ عَرِيضٌ طَوِيلٌ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَاتَ كَافِرًا لِخُبْثِ بَاطِنِهِ، أَوْ فَاسِقًا بِقَتْلِ نَفْسِهِ، (فَاشْتَدَّ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ: عَدْوًا وَأَسْرَعُوا قَاصِدِينَ وَمُتَوَجِّهِينَ (إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! صَدَّقَ اللَّهُ حَدِيثَكَ) ، بِتَشْدِيدِ الدَّالِ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ أَيْ: حَقَّقَهُ، وَفِي نُسْخَةٍ بِتَخْفِيفِهَا أَيْ: صَدَقَ اللَّهُ فِي إِخْبَارِكَ الْمُطَابِقِ لِلْوَاقِعِ (قَدِ انْتَحَرَ فُلَانٌ وَقَتَلَ نَفْسَهُ) . عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَبَيَانٍ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ) ، قَالَ شَارِحٌ: هَذَا كَلَامٌ يُقَالُ عِنْدَ الْفَرَحِ فَرِحَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ ظَهَرَ صِدْقُهُ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: مُحْتَمِلٌ تَعَجُّبًا وَفَرَحًا لِوُقُوعِ مَا أَخْبَرَ عَنْهُ، فَعَظَّمَ اللَّهَ تَعَالَى حَمْدًا وَشُكْرًا لِتَصْدِيقِ قَوْلِهِ: وَأَنْ يَكُونَ كَسْرًا لِلنَّفْسِ وَعَجَبِهَا، حَتَّى لَا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِهِ وَيَنْصُرُهُ قَوْلُهُ: إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ (يَا بِلَالُ قُمْ فَأَذِّنْ) أَيْ: فَأَعْلِمِ النَّاسَ ( «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مُؤْمِنٌ» ) أَيْ: خَالِصٌ احْتِرَازًا عَنِ الْمُنَافِقِينَ، أَوْ مُؤْمِنٌ كَامِلٌ، فَالْمُرَادُ دُخُولُهَا مَعَ الْفَائِزِينَ دُخُولًا أَوَّلِيًّا غَيْرَ مَسْبُوقٍ بِعَذَابٍ. ( «وَإِنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ» ) . أَيِ: الْمُنَافِقِ أَوِ الْفَاسِقِ مِمَّنْ يَعْمَلُ رِيَاءً أَوْ يَخْلِطُ بِهِ مَعْصِيَةً، وَرُبَّمَا يَكُونُ عَمَلًا بِهِ سُوءُ الْخَاتِمَةِ، نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ، وَالْجُمْلَةُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ دَاخِلَةً تَحْتَ التَّأْذِينِ، أَوِ اسْتِئْنَافُ بَيَانٍ لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْقَائِلِينَ. وَمِنْ نَظَائِرِهِ مَنْ يُصَنِّفُ أَوْ يُدَرِّسُ أَوْ يُعَلِّمُ أَوْ يَتَعَلَّمُ أَوْ يُؤَذِّنُ أَوْ يَؤُمُّ أَوْ يَأْتَمُّ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ، كَمَنْ يَبْنِي مَسْجِدًا أَوْ مَدْرَسَةً أَوْ زَاوِيَةً لِغَرَضٍ فَاسِدٍ وَقَصْدٍ كَاسِدٍ مِمَّا يَكُونُ سَبَبًا لِنِظَامِ الدِّينِ وَقَوَامِ الْمُسْلِمِينَ، وَصَاحِبُهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَحْرُومِينَ، جَعَلَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْمُخْلِصِينَ بَلْ مِنَ الْمُخْلَصِينَ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) : وَكَذَا مُسْلِمٌ. وَفِي الْجَامِعِ: ( «إِنَّ اللَّهَ يُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِأَقْوَامٍ لَا خَلَاقَ لَهُمْ» ) رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ، عَنْ أَنَسٍ، وَأَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ: " «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيُؤَيِّدُ الْإِسْلَامَ بِرِجَالٍ مَا هُمْ مِنْ أَهْلِهِ» ".