(قَالَ) أَيِ: الْعَبَّاسُ (ثُمَّ قُصِرَتِ الدَّعْوَةُ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيِ: اقْتَصَرَتْ وَانْحَصَرَتْ (عَلَى بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ) أَيْ: فَنُودِيَ: يَا بَنِي الْحَارِثِ، وَهُمْ قَبِيلَةٌ كَبِيرَةٌ (فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ عَلَى بَغْلَتِهِ) : الْوَاوُ حَالٌ أَيْ: نَظَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَالَ كَوْنِهِ عَلَى بَغْلَتِهِ وَقَوْلُهُ: (كَالْمُتَطَاوِلِ عَلَيْهَا) : حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَرْفُوعِ، عَلَى بَغْلَتِهِ أَيْ: كَالْقَالِبِ الْقَادِرِ عَلَى سَوْقِهَا، وَقِيلَ: كَالَّذِي يَمُدُّ عُنُقَهُ لِيَنْظُرَ إِلَى مَا هُوَ بَعِيدٌ عَنْهُ. (مَائِلًا إِلَى قِتَالِهِمْ) . وَقَالَ الطِّيبِيُّ: هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِنَظَرَ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامًا يُشْعِرُ أَنَّ نُسْخَتَهُ فِيهَا بَعْضُ اخْتِصَارٍ مُخِلٍّ عَلَى وَفْقِ مَا فِي الْمَصَابِيحِ (فَقَالَ) أَيِ: النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ (هَذَا حِينَ) : بِالْفَتْحِ وَفِي نُسْخَةٍ بِالضَّمِّ (حَمِيَ) : بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ (الْوَطِيسُ) . قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا إِشَارَةً إِلَى الْقِتَالِ، وَحِينَ بِالْفَتْحِ ظَرْفٌ لَهُ، وَأَنْ يَكُونَ إِشَارَةً إِلَى وَقْتِ الْقِتَالِ، وَحِينُ بِالرَّفْعِ خَبَرُهُ، وَقَالَ الْأَكْمَلُ: يَجُوزُ فِي حِينَ الْفَتْحُ ; لِأَنَّهُ مُضَافٌ إِلَى مَبْنِيٍّ، وَالضَّمُّ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: هَذَا مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ وَحِينَ مَبْنِيٌّ ; لِأَنَّهُ مُضَافٌ إِلَى غَيْرِ مُتَمَكِّنٍ مُتَعَلِّقٍ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ أَيْ: هَذَا الْقِتَالُ حِينَ اشْتَدَّ الْحَرْبُ، وَفِيهِ مَعْنَى التَّعَجُّبِ وَاسْتِعْظَامِ الْحَرْبِ. قُلْتُ: الْأَظْهَرُ مَا قِيلَ أَنَّ هَذَا مُبْتَدَأٌ وَحِينَ خَبَرُهُ، وَبُنِيَ عَلَى الْفَتْحِ لِإِضَافَةٍ إِلَى الْفِعْلِ أَيْ: هَذَا الزَّمَانُ زَمَانٌ اشْتِدَادِ الْحَرْبِ، ثُمَّ الْوَطِيسُ شِدَّةُ التَّنُّورِ، أَوِ التَّنُّورُ نَفْسُهُ يُضْرَبُ مَثَلًا لِشِدَّةِ الْحَرْبِ الَّتِي يُشْبِهُ حَرُّهَا حَرَّهُ، وَفِي النِّهَايَةِ الْوَطِيسُ: شِبْهُ التَّنُّورِ، وَقِيلَ: هُوَ الضِّرَابُ فِي الْحَرْبِ، وَقِيلَ: هُوَ الْوَطْءُ الَّذِي يَطِيسُ النَّاسَ أَيْ: يَدُقُّهُمْ. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: هُوَ حِجَارَةٌ مُدَوَّرَةٌ إِذَا حَمِيَتْ لَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ يَطَؤُهَا، وَلَمْ يُسْمَعْ هَذَا الْكَلَامُ مِنْ أَحَدٍ قَبْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مِنْ فَصِيحِ الْكَلَامِ، وَعَبَّرَ بِهِ عَنِ اشْتِبَاكِ الْحَرْبِ وَقِيَامِهَا عَلَى سَاقٍ.
(ثُمَّ أَخَذَ حَصَيَاتٍ فَرَمَى بِهِنَّ وُجُوهَ الْكُفَّارِ) أَيْ: قَائِلًا: (شَاهَتِ الْوُجُوهُ شَاهَتِ الْوُجُوهُ) . (ثُمَّ قَالَ) . أَيْ: تَفَاؤُلًا أَوْ إِخْبَارًا (انْهَزَمُوا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ. فَوَاللَّهِ مَا هُوَ) أَيْ: لَيْسَ انْهِزَامُ الْكُفَّارِ (إِلَّا أَنْ رَمَاهُمْ) أَيْ: سِوَى رَمْيِهِمْ (بِحَصَيَاتِهِ) ، أَيْ: وَلَمْ يَكُنْ بِالْقِتَالِ وَالضَّرْبِ بِالسَّيْفِ وَالطِّعَانِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ عِبَارَةً عَنِ الْأَمْرِ وَالشَّأْنِ وَيَكُونَ هُوَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، (فَمَا زِلْتُ أَرَى حَدَّهُمْ) أَيْ: بَأْسَهُمْ وَحِدَّتَهُمْ وَسُيُوفَهُمْ وَشِدَّتَهُمْ (كَلِيلًا) أَيْ: ضَعِيفًا (وَأَمْرَهُمْ مُدْبِرًا) . أَيْ: وَحَالَهُمْ ذَلِيلًا. قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ مُعْجِزَتَانِ ظَاهِرَتَانِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِحْدَاهُمَا فِعْلِيَّةٌ، وَالْأُخْرَى خَبَرِيَّةٌ، فَإِنَّهُ أَخْبَرَ بِهَزِيمَتِهِمْ وَرَمَاهُمْ بِالْحَصَيَاتِ فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : وَكَذَا النَّسَائِيُّ.