وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْبَغْيَ بِحَسَبِ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ وَالْإِطْلَاقِ الْعُرْفِيِّ، خَصَّ عُمُومَ مَعْنَى الطَّلَبِ اللُّغَوِيِّ إِلَى طَلَبِ الشَّرِّ الْخَاصِّ بِالْخُرُوجِ الْمَنْهِيِّ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ طَلَبُ دَمِ خَلِيفَةِ الزَّمَانِ، وَهُوَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَدْ حُكِيَ عَنْ مُعَاوِيَةَ تَأْوِيلٌ أَقْبَحُ مِنْ هَذَا حَيْثُ قَالَ: إِنَّمَا قَتَلَهُ عَلِيٌّ وَفِئَتُهُ حَيْثُ حَمَلَهُ عَلَى الْقِتَالِ، وَصَارَ سَبَبًا لِقَتْلِهِ فِي الْمَآلِ، فَقِيلَ لَهُ فِي الْجَوَابِ: فَإِذَنْ قَاتِلُ حَمْزَةَ هُوَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ كَانَ بَاعِثًا لَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حَيْثُ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ فِيهِ مُعْجِزَاتٌ ثَلَاثٌ: إِحْدَاهَا: أَنَّهُ سَيُقْتَلُ، وَثَانِيهَا: أَنَّهُ مَظْلُومٌ، وَثَالِثُهَا: أَنَّ قَاتِلَهُ بَاغٍ مِنَ الْبُغَاةِ، وَالْكُلُّ صِدْقٌ وَحَقٌّ، ثُمَّ رَأَيْتُ الشَّيْخَ أَكْمَلَ الدِّينِ قَالَ: الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا أَيِ: التَّأْوِيلَ السَّابِقَ عَنْ مُعَاوِيَةَ، وَمَا حُكِيَ عَنْهُ أَيْضًا مِنْ أَنَّهُ قَتَلَهُ مَنْ أَخْرَجَهُ لِلْقَتْلِ وَحَرَّضَهُ عَلَيْهِ كُلٌّ مِنْهُمَا افْتِرَاءٌ عَلَيْهِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَتَحْرِيفٌ لِلْحَدِيثِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ مَا أَخْرَجَهُ أَحَدٌ، بَلْ هُوَ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَاصِدًا لِإِقَامَةِ الْغَرَضِ، وَإِنَّمَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا افْتِرَاءٌ عَلَى مُعَاوِيَةَ لِأَنَّهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَعْقَلُ مِنْ أَنْ يَقَعَ فِي شَيْءٍ ظَاهِرِ الْفَسَادِ عَلَى الْخَاصِّ وَالْعَامِّ.

قُلْتُ: فَإِذَا كَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ بَغْيِهِ بِإِطَاعَتِهِ الْخَلِيفَةَ، وَيَتْرُكَ الْمُخَالَفَةَ وَطَلَبَ الْخِلَافَةِ الْمُنِيفَةِ، فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُ كَانَ فِي الْبَاطِنِ بَاغِيًا، وَفِي الظَّاهِرِ مُتَسَتِّرًا بِدَمِ عُثْمَانَ مُرَاعِيًا مُرَائِيًا، فَجَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَيْهِ نَاعِيًا، وَعَنْ عَمَلِهِ نَاهِيًا، لَكِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا، فَصَارَ عِنْدَهُ كُلٌّ مِنَ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ مَهْجُورًا، فَرَحِمَ اللَّهُ مَنْ أَنْصَفَ وَلَمْ يَتَعَصَّبْ وَلَمْ يَتَعَسَّفْ، وَتَوَلَّى الِاقْتِصَادَ فِي الِاعْتِقَادِ، لِئَلَّا يَقَعَ فِي جَانِبَيْ سَبِيلِ الرَّشَادِ مِنَ الرَّفْضِ وَالنَّصْبِ بِأَنْ يُحِبَّ جَمِيعَ الْآلِ وَالصَّحْبِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015