(ثُمَّ قَالَ: " هَلْ تَدْرُونَ مَا فَوْقَ ذَلِكَ ") ؟ أَيِ الْمَذْكُورِ (قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: " إِنَّ فَوْقَ ذَلِكَ ") : بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ ظَرْفٌ وَقَعَ خَبَرًا مُقَدَّمًا لِإِنَّ، وَقَوْلُهُ: (الْعَرْشَ) ، بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ اسْمٌ لَهُ (وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ) أَيْ: السَّابِعَةِ (بُعْدُ مَا بَيْنَ السَّمَاءَيْنِ) . أَيْ مِنَ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ. (ثُمَّ قَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا الَّذِي تَحْتَكُمْ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: إِنَّهَا الْأَرْضُ ") أَيْ: الْعُلْيَا (ثُمَّ قَالَ: " هَلْ تَدْرُونَ مَا تَحْتَ ذَلِكَ ") ؟ أَيْ الْمُشَارِ إِلَيْهِ (قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: " تَحْتَهَا أَرْضٌ أُخْرَى، بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ ") . أَيْ: وَهَكَذَا ذَكَرَ أَرْضًا بَعْدَ أُخْرَى. (حَتَّى عَدَّ سَبْعَ أَرْضِينَ) : بِفَتْحِ الرَّاءِ وَيُسَكَّنُ (بَيْنَ كُلِّ أَرْضَيْنِ) : بِالتَّثْنِيَةِ أَيْ بَيْنَ كُلِّ أَرْضَيْنِ مِنْهَا (مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ. ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ أَنَّكُمْ دَلَّيْتُمْ ") : بِتَشْدِيدِ اللَّامِ الْمَفْتُوحَةِ مِنْ أَدْلَيْتُ الدَّلْوَ وَدَلَّيْتَهَا إِذَا أَرْسَلْتُهَا الْبِئْرَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَدْلَى دَلْوَهُ} [يوسف: 19] عَلَى التَّجْرِيدِ أَوِ التَّأْكِيدِ، وَالْمَعْنَى لَوْ أَرْسَلْتُمْ (بِحَبْلٍ إِلَى الْأَرْضِ السُّفْلَى لَهَبَطَ) : بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ لَنَزَلَ (عَلَى اللَّهِ) . أَيْ عَلَى عِلْمِهِ وَمُلْكِهِ. كَمَا صَرَّحَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ فِي كَلَامِهِ الْآتِي، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى مُحِيطٌ بِعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى سُفْلِيَّاتِ مُلْكِهِ، كَمَا فِي عُلْوِيَّاتِ مَلَكُوتِهِ دَفْعًا لِمَا عَسَى يَخْتَلِجُ فِي وَهْمِ مَنْ لَا فَهْمَ لَهُ أَنَّ لَهُ اخْتِصَاصًا بِالْعُلُوِّ دُونَ السُّفْلِ، وَالَّذِي قِيلَ: كَانَ مِعْرَاجُ يُونُسَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ، كَمَا أَنَّ مِعْرَاجَ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي ظَهْرِ السَّمَاءِ، فَالْقُرْبُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُلٍّ فِي مَدِّ الِاسْتِوَاءِ، كَمَا أَخَّرَ عَنْ قُرْبِهِ لِكُلٍّ مِنَ الْعَبِيدِ بِقَوْلِهِ: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16] وَإِنَّمَا يَتَفَاوَتُ الْقُرْبُ الْمَعْنَوِيُّ بِالتَّشْرِيفِ اللَّدُنِّيِّ، وَمِنْهُ قُرْبُ الْفَرَائِضِ وَقُرْبُ النَّوَافِلِ، كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَحَلِّهِ.
(ثُمَّ قَرَأَ) أَيْ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتِشْهَادًا وَأَبُو هُرَيْرَةَ اعْتِضَادًا {هُوَ الْأَوَّلُ} [الحديد: 3] أَيْ: الْقَدَمُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ ابْتِدَاءٌ {وَالْآخِرُ} [الحديد: 3] أَيْ: الْبَاقِي الَّذِي لَيْسَ لَهُ انْتِهَاءٌ {وَالظَّاهِرُ} [الحديد: 3] أَيْ: بِالصِّفَاتِ {وَالْبَاطِنُ} [الحديد: 3] أَيْ: بِالذَّاتِ {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ} [البقرة: 29] أَيْ: مِنَ الْعُلْوِيَّاتِ وَالسُّفْلِيَّاتِ وَالْجُزْئِيَّاتِ وَالْكُلِّيَّاتِ عَلَيْهِمْ أَيْ: بَالِغٌ فِي كَمَالِ الْعِلْمِ بِهِ مُحِيطٌ عِلْمُهُ بِجَوَانِبِهِ.
(رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: قِرَاءَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْآيَةَ) أَيْ: الْمَذْكُورَةُ (تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ: لَهَبَطَ عَلَى عِلْمِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ وَسُلْطَانِهِ) ، قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: أَمَّا عِلْمُهُ تَعَالَى، فَهُوَ مِنْ قَوْلِهِ: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 29] وَأَمَّا قُدْرَتُهُ فَمِنْ قَوْلِهِ: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ} [الحديد: 3] أَيْ هُوَ الْأَوَّلُ الَّذِي يُبْدِئُ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ، وَالْآخِرُ الَّذِي يُفْنِي كُلَّ شَيْءٍ {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ - وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 26 - 27] وَأَمَّا سُلْطَانُهُ فَمِنْ قَوْلِهِ: {وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} [الحديد: 3] قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: يُقَالُ: ظَهَرْتُ عَلَى فُلَانٍ إِذَا غَلَبْتَهُ، وَالْمَعْنَى هُوَ الْغَالِبُ الَّذِي يَغْلِبُ وَلَا يُغْلَبُ، وَيَتَصَرَّفُ فِي الْمُكَوِّنَاتِ عَلَى سَبِيلِ الْغَلَبَةِ وَالِاسْتِيلَاءِ، أَوْ لَيْسَ فَوْقَهُ أَحَدٌ يَمْنَعُهُ، وَالْبَاطِنُ هُوَ الَّذِي لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَى دُونَهُ، ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: (وَعِلْمُ اللَّهِ وَقُدْرَتُهُ وَسُلْطَانُهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ) ، أَيْ يَسْتَوِي فِيهِ الْعُلْوِيَّاتُ وَالسُّفْلِيَّاتُ وَمَا بَيْنَهُمَا، كَمَا أَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ مَوْجُودَةٌ فِي كُلِّ زَمَانٍ، بَلْ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقَ الزَّمَانُ