5507 - وَعَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " قَالَ: " فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا فَيَقُولُ: لَا إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ، تَكْرِمَةَ اللَّهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
5507 - (وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ» ") : إِمَّا مُقَاتَلَةً حِسِّيَّةً أَوْ مَعْنَوِيَّةً عَلَى ظُهُورِ الْحَقِّ، أَوْ حَالَ كَوْنِهِمْ عَلَى الْحَقِّ (" ظَاهِرِينَ ") أَيْ: غَالِبِينَ، أَيْ: عَلَى أَعْدَائِهِمْ ; قَالَ تَعَالَى: {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة: 56] ، (" إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ") أَيْ: إِلَى قُرْبِ قِيَامِ السَّاعَةِ، (قَالَ) أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (" فَيَنْزِلُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ ") أَيِ: الْمَهْدِيُّ (" تَعَالَ ") : بِفَتْحِ اللَّامِ أَيِ: احْضُرْ وَتَقَدَّمْ (" وَصَلِّ ") : بَدَلٌ أَوِ اسْتِئْنَافُ بَيَانٍ، وَالْمَعْنَى: أُمَّ (" لَنَا ") أَيْ: فِي صَلَاتِنَا، فَإِنَّ الْأَوْلَى بِالْإِمَامَةِ هُوَ الْأَفْضَلُ، وَأَنْتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّسُولُ الْكَمِلُ، وَفِي رِوَايَةٍ: تَعَالَ فَصَلِّ لَنَا (" فَيَقُولُ: لَا ") أَيْ: لَا أَصِيرُ إِمَامًا لَكُمْ ; لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ بِإِمَامَتِي لَكُمْ نَسْخُ دِينِكُمْ، وَقِيلَ: تَعَلَّلَ بِأَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ أُقِيمَتْ لِإِمَامِكُمْ، فَهُوَ أَوْلَى بِهَا، لَكِنْ يُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ إِطْلَاقُ قَوْلِهِ: (" «إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ» ") أَيْ: دِينِيَّةٌ أَوْ دُنْيَوِيَّةٌ، وَإِنَّ عَلَى الْإِعَانَةِ الْمَعِيَّةَ (" تَكْرِمَةَ اللَّهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ ") أَيْ: إِكْرَامًا مِنْهُ سُبْحَانَهُ لِهَذِهِ الْجَمَاعَةِ الْمُكَرَّمَةِ.
قَالَ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ: تَكْرِمَةَ اللَّهِ نُصِبَ عَلَى الْمَفْعُولِ لِأَجْلِهِ، وَالْعَامِلُ مَحْذُوفٌ، وَالْمَعْنَى: شَرَعَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ إِمَامُ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ، وَأَمِيرُهُمْ مِنْ عِدَادِهِمْ، تَكْرِمَةً لَهُمْ وَتَفْخِيمًا لِشَأْنِهِمْ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ مُؤَكَّدٌ لِمَضْمُونِ الْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهُ.
قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ قِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ: الْأَصَحُّ أَنَّ عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُصَلِّي بِالنَّاسِ، وَيَؤُمُّهُمْ، وَيَقْتَدِي بِهِ الْمَهْدِيُّ ; لِأَنَّهُ أَفْضَلُ وَإِمَامَتُهُ أَوْلَى. قَالَ ابْنُ أَبَى شَرِيفٍ: هَذَا يُوَافِقُ فِي مُسْلِمٍ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ، لَكِنَّهُ فِيهِ مَا يُخَالِفُهُ، وَهُوَ حَدِيثُ جَابِرٍ، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَكُونَ صَلَّى بِهِمْ أَوَّلَ نُزُولِهِ ; تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ نَزَلَ مُقْتَدًى بِهِ فِي الْحُكْمِ عَلَى شَرِيعَتِهِمْ، ثُمَّ دَعَى إِلَى الصَّلَاةِ فَأَشَارَ بِأَنْ يَؤُمَّهُمُ الْمَهْدِيُّ ; إِظْهَارًا لِإِكْرَامِ اللَّهِ بِهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ. قُلْتُ: وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِالْعَكْسِ أَيْضًا، وَرُبَّمَا يُدَّعَى أَنَّهُ الْأَوْلَى، عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: إِمَامُكُمْ مِنْكُمْ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمَهْدِيَّ هُوَ الْإِمَامُ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالْمَرَامِ.
قَالَ: وَأَمَّا كَوْنُهُ أَفْضَلَ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ بُطْلَانُ الِاقْتِدَاءِ بِغَيْرِهِ، وَأَمَّا الْأَوْلَوِيَّةُ بِالْأَفْضَلِيَّةِ فَيُعَارِضُهَا إِظْهَارُ تَكْرِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى هَذِهِ الْأُمَّةَ بِدَوَامِ شَرِيعَتِهِ، كَمَا نَطَقَ بِهِ الْحَدِيثُ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
(وَهَذَا الْبَابُ خَالٍ عَنِ الْفَصْلِ الثَّانِي) يَعْنِي: عَنِ الْأَحَادِيثِ الْمَوْصُوفَةِ بِالْحِسَانِ عَلَى اصْطِلَاحِ الْبَغَوِيِّ الْمُعَبَّرِ عَنْهَا بِالْفَصْلِ الثَّانِي عَلَى مُصْطَلَحِ صَاحِبِ الْمِشْكَاةِ، أَيِ: الْمَوْضُوعُ فِي الْأَحَادِيثِ الزَّائِدَةِ لِصَاحِبِ الْمِشْكَاةِ عَلَى الْمَصَابِيحِ الْمُنَاسِبَةِ لِلْبَابِ.