(فَذَكَرَ) أَيْ: جَابِرُ (مِثْلَ مَعْنَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ) أَيِ: الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ مِنْ بَابِ قِصَّةِ ابْنِ صَيَّادٍ، (فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: ائْذَنْ لِي) : أَمْرٌ مِنَ الْإِذْنِ، أَيْ: أَعْطِنِي الْإِجَازَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ (فَأَقْتُلَهُ) : بِالنَّصْبِ عَلَى جَوَابِ الْأَمْرِ، (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنْ يَكُنْ هُوَ ") أَيِ: ابْنُ الصَّيَّادِ الدَّجَّالَ (" فَلَسْتَ صَاحِبَهُ ") أَيْ: صَاحِبَ قَتْلِهِ وَمُبَاشَرَةِ هَلَاكِهِ، (إِنَّمَا صَاحِبُهُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ، وَإِنْ لَا يَكُنْ) : اسْتِعْمَالُ " لَا " أَوْلَى هُنَا مِنْ قَوْلِهِمْ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ (" فَلَيْسَ لَكَ أَنْ تَقْتُلَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ ") أَيْ: مِنَ الذِّمَّةِ وَالْجِزْيَةِ، (فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُشْفِقًا) أَيْ: خَائِفًا عَلَى أُمَّتِهِ (أَنَّهُ) أَيِ: ابْنَ الصَّيَّادِ (هُوَ الدَّجَّالُ. رَوَاهُ) أَيِ: الْبَغَوِيُّ (فِي شَرْحِ السُّنَّةِ) ، بِإِسْنَادِهِ.
قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: الْوَجْهُ فِي الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ابْنِ صَيَّادٍ مَعَ مَا فِيهَا مِنَ الِاخْتِلَافِ وَالتَّضَادِّ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَسِبَهُ الدَّجَّالَ قَبْلَ التَّحْقِيقِ بِخَبَرِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، فَلَمَّا أُخْبِرَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا أُخْبِرَ بِهِ مِنْ شَأْنِ قِصَّتِهِ فِي حَدِيثِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، وَوَافَقَ ذَلِكَ مَا عِنْدَهُ، تَبَيَّنَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ ابْنَ الصَّيَّادِ لَيْسَ بِالَّذِي ظَنَّهُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو سَعِيدٍ حِينَ صَحِبَهُ إِلَى مَكَّةَ، وَأَمَّا تَوَافُقُ النُّعُوتِ فِي أَبَوَيِ الدَّجَّالِ وَأَبَوَيِ ابْنِ صَيَّادٍ، فَلَيْسَ مِمَّا يُقْطَعُ بِهِ قَوْلًا، فَإِنَّ اتِّفَاقَ الْوَصْفَيْنِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ اتِّحَادُ الْمَوْصُوفَيْنِ، وَكَذَا حَلَفَ عُمَرُ وَابْنُهُ مَعَ عَدَمِ إِنْكَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَنَّهُ الدَّجَّالُ، فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ قَبْلَ تَبَيُّنِ الْحَالِ، وَقَدْ كَانَ لِلدَّجَّالِ فِي بَعْضِ عَلَامَاتِهِ مَا أَوْرَثَ ذَلِكَ فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِشْفَاقًا مِنْهُ.