الطَّبْعِ وَالشَّيْطَانِ، فَالْخَائِضُ فِيهَا قَلَّمَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَزُمَّ اللِّسَانَ فَيُطْلِقَهُ بِمَا يَجِبُ، وَيَكُفَّهُ عَمَّا لَا يَجِبُ، فَفِي الْخَوْضِ خَطَرٌ، وَفِي الصَّمْتِ سَلَامَةٌ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ جَمْعِ الْهَمِّ وَدَوَامِ الْوَقَارِ وَالْفَرَاغَةِ لِلْفِكْرِ وَالْعِبَادَةِ وَالذِّكْرِ وَالسَّلَامَةِ مِنْ تَبِعَاتِ الْقَوْلِ فِي الدُّنْيَا، وَمِنْ حِسَابِهِ فِي الْعُقْبَى، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18] وَيَدُلُّكَ عَلَى لُزُومِ الصَّمْتِ أَمْرٌ، وَهُوَ أَنَّ الْكَلَامَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامِ قِسْمٌ هُوَ ضَرَرٌ مَحْضٌ، وَقِسْمٌ هُوَ نَفْعٌ مَحْضٌ، وَقِسْمٌ فِيهِ ضَرَرٌ وَمَنْفَعَةٌ، وَقِسْمٌ لَا ضَرَرَ فِيهِ وَلَا مَنْفَعَةَ، أَمَّا الَّذِي هُوَ ضَرَرٌ مَحْضٌ، فَلَا بُدَّ مِنَ السُّكُوتِ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ مَا فِيهِ ضَرَرٌ وَمَنْفَعَةٌ لَا تَفِي بِالضَّرَرِ، وَأَمَّا مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ وَلَا ضَرَرَ فَهُوَ فُضُولٌ، وَالِاشْتِغَالُ بِهِ تَضْيِيعُ زَمَانٍ، وَهُوَ عَيْنُ الْخُسْرَانِ ظَاهِرًا، فَلَا يَبْقَى إِلَّا الْقِسْمُ الرَّابِعُ، وَفِيهِ خَطَرٌ إِذَا قَدْ يَمْتَزِجُ بِهِ مَا فِيهِ إِثْمٌ مِنْ دَقَائِقِ الرِّيَاءِ وَالتَّصَنُّعِ وَالْغِيبَةِ وَتَزْكِيَةِ النَّفْسِ وَفُضُولِ الْكَلَامِ امْتِزَاجًا يَخْفَى مَدْرَكُهُ، فَيَكُونُ الْإِنْسَانُ بِهِ مُخَاطِرًا اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ آفَاتَ اللِّسَانِ غَيْرُ مَحْصُورَةٍ، وَفِي الصَّمْتِ خَلَاصٌ مِنْهَا، وَقَدْ قِيلَ: اللِّسَانُ جُرْمُهُ صَغِيرٌ وَجُرْمُهُ كَبِيرٌ وَكَثِيرٌ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالدَّارِمِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015