بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ مَا يَكُونُ عَلَى صُورَةِ الْآجُرِّ، وَلَعَلَّ هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى جَنَّةِ الْمُخْلِصِينَ مِنَ التَّائِبِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ أَوْ مَنْ صَرَفَ أَوْقَاتَهُ بَعْضَهَا إِلَى الطَّاعَةِ وَبَعْضَهَا إِلَى الْغَفْلَةِ، أَوْ بَعْضَهَا إِلَى الْأَفْضَلِ، وَبَعْضَهَا إِلَى الْفَاضِلِ. (فَأَتَيْنَا بَابَ الْمَدِينَةِ، فَاسْتَفْتَحْنَا، فَفُتِحَ لَنَا، فَدَخَلْنَاهَا، فَتَلَقَّانَا فِيهَا رِجَالٌ شَطْرٌ) أَيْ: نِصْفٌ أَوْ بَعْضٌ (مِنْ خَلْقِهِمْ) أَيْ: مِنْ خِلْقَتِهِمْ، وَشَطْرٌ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (كَأَحْسَنِ مَا) أَيْ: مِثْلِ أَحْسَنِ شَيْءٍ (أَنْتَ رَاءٍ) ، أَيْ لَهُ فِي عُمْرِكَ، وَالْجُمْلَةُ صِفَةُ " رِجَالٌ "، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: الْكَافُ زَائِدَةٌ، وَأَظُنُّ أَنَّ الْكَلَامَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الْقَوْلِ بِالزِّيَادَةِ (وَشَطْرٌ مِنْهُمْ) أَيْ: مِنْ خِلْقَتِهِمْ (كَأَقْبَحِ مَا أَنْتَ رَاءٍ) . قَالَ الطِّيبِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ مَوْصُوفِينَ بِأَنَّ خِلْقَتَهُمْ حَسَنَةٌ وَبَعْضُهُمْ قَبِيحَةٌ وَأَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَعْضُهُ حَسَنٌ وَبَعْضُهُ قَبِيحٌ، وَالثَّانِي هُوَ الْمُرَادُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي التَّفْصِيلِ: فَإِنَّهُمْ قَوْمٌ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا، أَيْ: خَلَطَ كُلُّ وَاحِدٍ عَمَلًا صَالِحًا بِسَيِّئٍ وَسَيِّئًا بِصَالِحٍ. قُلْتُ: وَقَوْلُهُ مِنْ خَلْقِهِمْ أَيْضًا يَدْفَعُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ، فَتَأَمَّلْ، نَعَمْ لَوْ قَالَ شَطْرٌ مِنْهُمْ لَكَانَ مَحَلَّ التَّوَهُّمِ.
(قَالَ: قَالَا لَهُمْ: اذْهَبُوا فَقَعُوا) : أَمْرٌ مِنْ وَقَعَ يَقَعُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [الحجر: 29] ، فَالْمَعْنَى أَوْقِعُوا أَنْفُسَكُمْ. (فِي ذَلِكَ النَّهَرِ) . أَيِ: الْمَرْئِيِّ عِنْدَهُمْ (قَالَ: وَإِذَا نَهَرٌ مُعْتَرِضٌ) أَيْ: عَرِيضٌ (يَجْرِي) أَيْ: مَاؤُهُ (كَأَنَّ مَاءَهُ الْمَحْضُ) أَيِ: اللَّبَنُ الْخَالِصُ غَيْرُ مَشُوبٍ بِشَيْءٍ، وَالْمَحْضُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ الْخَالِصُ مِنْهُ (فِي الْبَيَاضِ) ، كَأَنَّهُ سُمِّيَ بِالصِّفَةِ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي الصَّفَاءِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالْمَاءِ عَفْوُ اللَّهِ تَعَالَى عَنْهُمْ، أَوِ التَّوْبَةُ مِنْهُمْ كَمَا وَرَدَ: اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ. قُلْتُ: إِنْ كَانَ مُرَادُهُ تَعْبِيرَ الْمَاءِ بِالْعَفْوِ فَهُوَ مُتَعَيَّنٌ لِمَا سَيَأْتِي فِي التَّأْوِيلِ أَنَّهُ تَجَاوُزُ اللَّهِ عَنْهُمْ، فَلَا يُحْتَاجُ إِلَى تَقْيِيدِهِ بِالْإِمْكَانِ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْمَاءَ الْمَرْئِيَّ هُوَ الْعَفْوُ فَلَا خَفَاءَ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ (فَذَهَبُوا، فَوَقَعُوا فِيهِ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَيْنَا قَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ السُّوءُ) : بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَيَجُوزُ فَتْحُهُ، أَيِ: الْقُبْحُ (عَنْهُمْ، فَصَارُوا) أَيْ: فَرَجَعُوا وَانْقَلَبُوا (فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ. وَذَكَرَ) أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نُسْخَةٍ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ: قَبْلُ (فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ: (وَأَمَّا الرَّجُلُ الطَّوِيلُ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ، فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ) أَيِ: الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ (وَأَمَّا الْوِلْدَانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ فَكُلُّ مَوْلُودٍ مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ) أَيْ: فِي الصِّغَرِ (قَالَ) أَيِ: الرَّاوِي (فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ) أَيْ: مِنْهُمْ أَوْ هُمْ كَذَلِكَ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: يَعْنِي أَوْلَادَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ مَاتُوا عَلَى الْفِطْرَةِ أَدَاخِلُونَ فِي زُمْرَةِ هَؤُلَاءِ الْوِلْدَانِ؟ فَأَجَابَ: وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ، وَفِيهِ أَنَّ حُكْمَ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ غُيِّرَتْ فِطْرَتُهُمْ بِالتَّهَوُّدِ وَالتَّمَجُّسِ خِلَافُ هَذَا، فَالْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّ أَوْلَادَ الْمُشْرِكِينَ فِي النَّارِ تُوَؤَّلُ بِمَنْ غُيِّرَتْ فِطْرَتُهُمْ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ وَرَفْعًا لِلتَّنَاقُضِ، قُلْتُ: هَذَا جَمْعٌ حَسَنٌ، لَكِنْ يُشْعِرُ بِوُقُوعِ التَّكْلِيفِ فِي حَالِ التَّمْيِيزِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ، لَكِنَّ لَهُ تَعَالَى أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِكُفْرِهِمْ فِي صِغَرِهِمْ بِنَاءً عَلَى عَدْلِهِ، كَمَا أَنَّهُ يَقْبَلُ إِيمَانَ الصَّغِيرِ بِنَاءً عَلَى فَضْلِهِ (" {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} [الأنبياء: 23] ") وَقَدْ تَوَقَّفَ إِمَامُنَا الْأَعْظَمُ فِي هَذَا الْبَابِ، وَقَدْ سَبَقَ هَذَا الْمَبْحَثُ بِالْإِطْنَابِ فِي صَدْرِ الْكِتَابِ.