وَقَعَتْ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ، وَقَدْ يَكُونُ ظَاهِرُ الرُّؤْيَا مَكْرُوهًا، وَتَفْسِيرُهَا مَحْبُوبٌ وَعَكْسُهُ، وَهَذَا أَمْرٌ مَعْرُوفٌ لِأَهْلِهِ. قُلْتُ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِتَخْصِيصِ الرَّائِي أَنَّهُ إِذَا أَخْبَرَ الْبَغِيضَ لَهُ أَوِ الْحَسُودَ عَلَيْهِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى رِفْعَةِ شَأْنِهِ، وَعَظَمَةِ جَاهِهِ، وَكَثْرَةِ مَالِهِ، وَمَذَلَّةِ أَعْدَائِهِ، وَمَعَزَّةِ أَحِبَّائِهِ رُبَّمَا يَجْتَهِدُ فِي دَفْعِهِ أَوَّلًا، وَيَمْكُرُ فِي خَفْضِ دَفْعِهِ ثَانِيًا بِتَعْبِيرٍ يَجُرُّ إِلَى تَغْيِيرٍ أَوْ تَعْيِيرٍ، وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا قَوْلُهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ يَعْقُوبَ وَصِيَّةً لِيُوسُفَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ " {لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا} [يوسف: 5] " (أَوْ ذِي رَأْيٍ) أَيْ: عَاقِلٍ أَوْ عَالِمٍ. قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ ذُو عِلْمٍ بِعِبَارَةِ الرُّؤْيَا، فَإِنَّهُ يُخْبِرُكَ بِحَقِيقَةِ تَفْسِيرِهَا، أَوْ بِأَقْرَبِ مَا يَعْلَمُ مِنْهُ لَا أَنَّ تَعْبِيرَهُ يُزِيلُهَا عَمَّا جَعَلَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ لَهُ التَّخَيُّرُ فِيمَا يُعَبَّرُ بِهِ عَلَى مَا وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ - وَلَا يَقُصَّهَا إِلَّا عَلَى وَادٍّ، أَيْ: ذِي رَأْيٍ - وَالْأَقْضِيَةُ لَا تُرَدُّ بِالتَّوَقِّي عَنِ الْأَسْبَابِ، وَلَا تَخْتَلِفُ أَحْكَامُهَا بِاخْتِلَافِ الدَّوَاعِي، قُلْنَا: هُوَ مِثْلُ السَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ وَالسَّلَامَةِ وَالْآفَةِ الْمَقْضِيِّ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا لِصَاحِبِهَا، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ أُمِرَ الْعَبْدُ بِالتَّعَرُّضِ لِلْمَحْمُودِ مِنْهَا، وَالْحَذِرِ عَنِ الْمَكْرُوهِ مِنْهَا.