وَتَوْجِيهُهُ أَنَّ الْكَلَامَ مَعْنَى الْإِنْكَارِ أَيْ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تُعَالِجْنَ بِهَذَا الدَّاءِ الدَّاهِيَةِ وَالْمُدَاوَاةِ الشَّنِيعَةِ اهـ. وَالْمَعْنَى عَلَى الْإِعْلَاقِ لِمَ تُعَالِجْنَ هَذِهِ الْمُعَالَجَةَ الْخَشِنَةَ؟ (عَلَيْكُنَّ بِهَذَا الْعُودِ الْهِنْدِيِّ) : أَيْ بَلْ عَلَيْكُنَّ فِي هَذَا الزَّمَانِ بِاسْتِعْمَالِ الْعُودِ الْهِنْدِيِّ فِي عُذْرَةِ أَوْلَادِكُنَّ، وَالْإِشَارَةُ بِهَذَا إِلَى الْجِنْسِ الْمُسْتَحْضَرِ فِي الذِّهْنِ وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُسْطِ الْبَحْرِيِّ هُوَ الْعُودُ الْهِنْدِيُّ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا نَافِعٌ (فَإِنَّ فِيهِ) : أَيْ فِي هَذَا الْعُودِ (سَبْعَةَ أَشْفِيَةٍ) : جَمْعُ شِفَاءٍ (مِنْهَا ذَاتُ الْجَنْبِ) : أَيْ مِنْ تِلْكَ الْأَشْفِيَةِ شِفَاءُ ذَاتِ الْجَنْبِ، أَوِ التَّقْدِيرُ: فِيهِ سَبْعَةُ أَشْفِيَةِ أَدْوَاءٍ مِنْهَا ذَاتُ الْجَنْبِ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: سَبْعَةُ أَشْفِيَةٍ مِنْ سَبْعَةِ أَدْوَاءٍ مِنْهَا: ذَاتُ الْجَنْبِ، وَخُصَّ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ أَصْعَبُ الْأَدْوَاءِ، وَقَلَّمَا يَسْلَمُ مِنْهُ مَنِ ابْتُلِيَ لَهُ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَالْمُرَادُ هُنَا رِيَاحٌ غَلِيظَةٌ فِي نَوَاحِي الْجَنْبِ، فَإِنَّ الْعُودَ الْهِنْدِيَّ إِنَّمَا يُدَاوَى بِهِ الرِّيَاحُ وَقَوْلُهُ: (يُسْعَطُ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مُخَفَّفًا وَرُوِيَ مُشَدَّدًا وَفِي الْجَامِعِ بَسْطٌ بِهِ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ السَّوْطِ، وَهُوَ مَا يُصَبُّ فِي الْأَنْفِ. بَيَانُ كَيْفِيَّةِ التَّدَاوِي بِهِ أَنْ يُدَقَّ الْعُودُ نَاعِمًا، وَيُدْخَلُ فِي الْأَنْفِ، وَقِيلَ يُبَلُّ وَيُقَطَّرُ فِيهِ.
(مِنَ الْعُذْرَةِ) : أَيْ مِنْ أَجْلِهَا (وَيُلَدُّ) : بِصِيَغِهِ الْمَجْهُولِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِّ الْمُهْمَلَةِ: مِنْ لَدَّ الرَّجُلُ إِذَا صَبَّ الدَّوَاءَ فِي أَحَدِ شِقَّيِ الْفَمِ، وَمِنْهُ اللَّدُودُ، وَفِي الْجَامِعِ مَنْ يَلِدُّ لَهُ. (مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ) : أَيْ مِنْ أَجْلِهَا، وَسَكَتَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ خَمْسَةٍ مِنْهَا لِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إِلَى تَفْصِيلِهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَاقْتَصَرَ عَلَى الْمُهِمِّ وَالْمُنَاسِبِ لِلْمَقَامِ كَمَا هُوَ دَأْبُ أَرْبَابِ بُلَغَاءِ الْكَلَامِ، وَلَعَلَّ الْبَقِيَّةَ كَانَتْ مَشْهُورَةً عِنْدَهُمْ مَعْرُوفَةً فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَقَدْ سَبَقَ فِي الْقَامُوسِ بَعْضُ خَوَاصِّهِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: قَدِ اعْتَرَضَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ، فَقَالَ الْأَطِبَّاءُ: مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ مُدَاوَاةَ ذَاتِ الْجَنْبِ بِالْقُسْطِ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الْحَرَارَةِ الشَّدِيدَةِ خَطَرٌ.
قَالَ الْمَازَرِيُّ: فِي هَذَا الْقَوْلِ جَهَالَةٌ بَيِّنَةٌ وَهُوَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ} [يونس: 39] ، وَقَدْ ذَكَرَ جَالِينُوسُ وَغَيْرُهُ: أَنَّ الْقُسْطَ يَنْفَعُ مِنْ وَجَعِ الصَّدْرِ، وَقَالَ بَعْضُ الْقُدَمَاءِ مِنَ الْأَطِبَّاءِ: وَيُسْتَعْمَلُ حَيْثُ يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يُجْذَبَ الْخَلْطُ مِنْ بَاطِنِ الْبَدَنَ إِلَى ظَاهِرِهِ، وَهَذَا يُبْطِلُ مَا زَعَمَ الْمُعْتَرِضُ الْمُلْحِدُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَفِيهِ سَبْعَةُ أَشْفِيَةٍ فَقَدْ أَطْبَقَ الْأَطِبَّاءُ فِي كُتُبِهِمْ عَلَى أَنَّهُ يُدِرُّ الطَّمْثَ وَالْبَوْلَ، وَيَنْفَعُ مِنَ السُّمُومِ، وَيُحَرِّكُ شَهْوَةَ الْجِمَاعِ، وَيَقْتُلُ الدُّودَ، وَحَبُّ الْقَرْعِ فِي الْأَمْعَاءِ إِذَا شُرِبَ بِعَسَلٍ، وَيُذْهِبُ الْكَلْفَ إِذَا طُلِيَ عَلَيْهِ، وَيَنْفَعُ مِنْ بَرْدِ الْمَعِدَةِ وَالْكَبِدِ، وَمِنْ حُمَّى الْوَرْدِ وَالرِّبْعِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَهُوَ صِنْفَانِ: بَحْرِيٌّ وَهِنْدِيُّ الْبَحْرِيِّ هُوَ الْقُسْطُ الْأَبْيَضُ، وَالْبَحْرِيُّ أَفْضَلُ مِنَ الْهِنْدِيِّ، وَأَقَلُّ حَرَارَةً مِنْهُ، وَإِنَّمَا عَدَدْنَا مَنَافِعَهُ مِنْ كُتُبِ الْأَطِبَّاءِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ مِنْهَا عَدَدًا مُجْمَلًا.
قَالَ الطِّيبِيُّ: وَذَلِكَ لِأَنَّ السَّبْعَةَ تُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهَا الْكَثْرَةُ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) . وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ كَذَا فِي الْجَامِعِ.