الْفَصْلُ الثَّالِثُ

4507 - عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ قَالَ: «كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ! إِنِّي رَجُلٌ، إِنَّمَا مَعِيشَتِي مِنْ صَنْعَةِ يَدِي، وَإِنِّي أَصْنَعُ هَذِهِ التَّصَاوِيرَ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا أُحَدِّثُكَ إِلَّا مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعْتُهُ يَقُولُ: " مَنْ صَوَّرَ صُورَةً، فَإِنَّ اللَّهَ مُعَذِّبُهُ حَتَّى يَنْفُخَ فِيهِ الرُّوحَ، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ فِيهَا أَبَدًا ". فَرَبَا الرَّجُلُ رَبْوَةً شَدِيدَةً، وَاصْفَرَّ وَجْهُهُ، فَقَالَ: وَيْحَكَ إِنْ أَبَيْتَ إِلَّا أَنْ تَصْنَعَ فَعَلَيْكَ بِهَذَا الشَّجَرِ وَكُلِّ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

4507 - (عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ) : قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَاسْمُ أَبِي الْحَسَنِ يَسَارٌ الْبَصْرِيُّ تَابِعِيٌّ، رَوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَنْهُ قَتَادَةُ وَعَوْفٌ. (قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ! إِنِّي رَجُلٌ، إِنَّمَا مَعِيشَتِي) : أَيْ لَيْسَتْ مَعِيشَتِي إِلَّا (مِنْ صَنِيعَةِ يَدِي، وَإِنِّي أَصْنَعُ هَذِهِ التَّصَاوِيرَ) : أَيْ فَقَطْ (فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا أُحَدِّثُكَ) : " لَا " نَافِيَةٌ، أَيْ لَا أُخْبِرُكَ فِي جَوَابِكَ (إِلَّا مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : أَيْ وَلَا أَتَكَلَّمُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي لِأَنَّهُ أَوْقَعُ فِي التَّأْثِيرِ (سَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَنْ صَنَعَ صُورَةً) : أَيْ عَمَلَهَا وَاشْتَغَلَهَا (فَإِنَّ اللَّهَ مُعَذِّبُهُ) : بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ يُعَذِّبُهُ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ (حَتَّى يَنْفُخَ) : أَيِ الرُّوحُ (فِيهِ) : أَيْ فِيمَا صَوَّرَهُ وَفِي نُسْخَةٍ فِيهَا أَيْ فِي الصُّورَةِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ بِنَافِخٍ فِيهَا أَبَدًا) : أَيْ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ عَذَابُهُ سَرْمَدًا، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ، أَوْ عَلَى فَرْضِ الِاسْتِحْلَالِ (فَرَبَا الرَّجُلُ رَبْوَةً شَدِيدَةً) بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الرَّبْوُ النَّفَسُ الْعَالِي، يُقَالُ: رَبَا يَرْبُو رَبْوًا إِذَا أَخَذَهُ الرَّبْوُ، وَفِي الْقَامُوسِ: رَبَا الْفَرَسُ رَبْوًا انْتَفَخَ مِنْ عَدْوٍ، أَوْ فَزَعٍ. وَالْحَاصِلُ فِي مَعْنَاهُ أَنَّهُ فَزِعَ مِنْ نَقْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْحَدِيثَ وَصَارَ يَتَنَفَّسُ الصُّعَدَاءَ.

(وَاصْفَرَّ وَجْهُهُ، فَقَالَ) : أَيِ ابْنُ عَبَّاسٍ (وَيْحَكَ) : بِالنَّصْبِ وَهِيَ كَلِمَةٌ تُقَالُ لِمَنْ وَقَعَ فِي هَلَكَةٍ لَا يَسْتَحِقُّهَا فَيَتَرَحَّمُ عَلَيْهِ، وَمِنْهُ الْخَبَرُ الْمَرْفُوعُ: " «وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» ". رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، وَزَادَ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: " «يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَيَدْعُوهُ إِلَى النَّارِ» " بِخِلَافِ وَيْلٍ، فَإِنَّهَا كَلِمَةٌ تُقَالُ لِمَنْ يَسْتَحِقُّ الْهَلَكَةَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} [الأحقاف: 17] ، وَفِي الْقَامُوسِ: وَيْحٌ لِزَيْدٍ، وَوَيْحًا لَهُ: كَلِمَةُ رَحْمَةٍ، وَرَفْعُهُ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَنَصْبُهُ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ، وَوَيْحَ زَيْدٍ، وَوَيْحَهُ، نَصْبُهُمَا لَهُ أَيْضًا. (إِنْ أَبَيْتَ) : أَيْ إِنِ امْتَنَعْتَ مِنْ سَائِرِ الصُّنَّاعِ (إِلَّا أَنْ تَصْنَعَ) : أَيِ التَّصَاوِيرُ (فَعَلَيْكَ بِهَذِهِ الشَّجَرَةِ) : أَيْ وَأَمْثَالِهَا مِمَّا لَا رُوحَ فِيهِ كَمَا بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: (وَكُلِّ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ) : وَكُّلِّ بِالْجَرِّ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالنَّصْبِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: يَجُوزُ فِيهِ الْجَرُّ عَلَى أَنَّهُ بَيَانٌ لِلشَّجَرِ ; لِأَنَّهُ لَمَّا مَنَعَهُ عَنِ التَّصْوِيرِ، وَأَرْشَدَهُ إِلَى جِنْسِ الشَّجَرِ رَأَى ذَلِكَ غَيْرَ وَافٍ بِالْقَصْدِ فَأَوْضَحَهُ لَهُ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الْبَدَلِ، وَالنَّصْبُ عَلَى التَّفْسِيرِ يَعْنِي بِتَقْدِيرِ أَعْنِي، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ بِالْجَرِّ مِنْ قَبِيلِ التَّعْمِيمِ بَعْدَ التَّخْصِيصِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ نَصْبُهُ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُودُ الْعَاطِفِ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015