الْفَاءِ الْمَكْسُورَةِ أَيْ يَجْعَلُهَا أَصْفَرَ (بِالْوَرْسِ) : بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ نَبْتٌ أَصْفَرُ بِالْيَمَنِ (وَالزَّعْفَرَانِ) . وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ يَخْلِطُ بَيْنَهُمَا وَيَخْضِبُ بِهِمَا لِحْيَتَهُ، لَكِنْ يُنَافِيهِ مَا سَبَقَ عَنْ أَنَسٍ بِطُرُقٍ صَحِيحَةٍ، وَمِنْهَا مَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمْ يَخْضِبْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا كَانَ الْبَيَاضُ فِي عَنْفَقَتِهِ، وَهِيَ مَا بَيْنَ الذَّقْنِ وَالشَّفَةِ السُّفْلَى، وَفِي الصُّدْغَيْنِ، وَفِي الرَّأْسِ نُبَذٌ: بِضَمٍّ فَفَتْحٍ أَوْ بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ أَيْ شَعَرَاتٌ مُتَفَرِّقَةٌ، وَجَمَعَ الْعَسْقَلَانِيُّ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ مُرَادَ أَنَسٍ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي شَعْرِهِ مَا يَحْتَاجُ إِلَى الْخِضَابِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: «سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَضَبَ؟ قَالَ: لَمْ يَبْلُغِ الْخِضَابَ» ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادٍ عَنْ ثَابِتٍ «عَنْ أَنَسٍ: لَوْ شِئْتُ أَنْ أَعُدَّ شَمَطَاتٍ كُنَّ فِي رَأْسِهِ لَفَعَلْتُ» . زَادَ ابْنُ سَعْدٍ وَالْحَاكِمُ: مَا شَأْنُهُ بِالشَّيْبِ؟ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: «قَدْ شَمِطَ مُقَدَّمُ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ، وَكَانَ إِذَا دَهَنَ لَمْ يَتَبَيَّنْ، فَإِنْ لَمْ يَدْهُنْ تَبَيَّنَ» اهـ. كَلَامُهُ.
قَالَ مِيرَكُ: لَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ الْجَمْعِ بِمَا ذَكَرَ فَلْيُتَأَمَّلْ فِيهِ. أَقُولُ: الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ مُرَادَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنَّ حَدِيثَ أَنَسٍ مُقْتَطَعٌ، فَالْجَمْعُ بِاعْتِبَارِ الْمَجْمُوعِ مَعَ تَضَمُّنِ الْجَوَابِ عَنِ الْإِشْكَالِ الْوَاقِعِ فِي الْبَابِ، وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخِضَابُ، فَأَشَارَ إِلَى دَفْعِهِ بِأَنَّ مُرَادَ أَنَسٍ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي شَعْرِهِ مَا يَحْتَاجُ إِلَى الْخِضَابِ، وَهُوَ لَا يُنَافِي الْخِضَابَ الثَّابِتَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، أَنَّهُ قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ» ، وَحَاصِلُ الْجَمْعِ أَنَّهُ صَبَغَ تِلْكَ الشَّعَرَاتِ الْقَلِيلَةَ فِي حِينٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ، وَتَرَكَهُ فِي مُعْظَمِ الْأَوْقَاتِ، فَأَخْبَرَ كُلٌّ بِمَا رَأَى، وَكِلَاهُمَا صَادِقَانِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: مَنْ نَفَى الصَّبْغَ أَرَادَ نَفْيَهُ بِصِفَةِ الدَّوَامِ وَالْأَغْلَبِيَّةِ، وَمَنْ أَثْبَتَهُ أَرَادَ إِثْبَاتَهُ عَلَى سَبِيلِ النُّدْرَةِ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: رِوَايَةُ أَنَسٍ لَمْ يَخْضِبْ بِنَاءً عَلَى عِلْمِهِ فَبَعِيدٌ جِدًّا، فَإِنَّهُ خَادِمُهُ اللَّازِمُ لَهُ بِحَيْثُ لَا يَخْفَى، وَمَا أَبْعَدَ مَنْ قَالَ يُرِيدُ الْمُثْبِتَ أَيِ ابْنَ عُمَرَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ بِأَنَّهُ يَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ أَنَّهُ يَصْبُغُ ثَوْبَهُ، فَإِنَّهُ قَدْ صَرَّحَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ كَانَ يَصْفِّرُ لِحْيَتَهُ. (وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ) : أَيْ مَا ذَكَرَ مِنْ لُبْسِ النِّعَالِ السِّبْتِيَّةِ وَتَصْفِيرِ اللِّحْيَةِ بِالْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ (رَوَاهُ النَّسَائِيُّ) . وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَأَبُو دَاوُدَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ إِلَى قَوْلِهِ: لِحْيَتَهُ، فَتَدَبَّرْ.