بَدَلَ " مِنْ " مُرِيدًا لِلتَّمَكُّنِ - مِنَ الْأَكْلِ وَاقِعًا فِي الْقَصْعَةِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] وَمِنْ ثَمَّ أَتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ: (فَلَحِسَهَا) : بِكَسْرِ الْحَاءِ، وَقَدْ صَرَّحَ صَاحِبُ الْقَامُوسِ وَالْمِصْبَاحِ أَنَّهُ مِنْ بَابِ سَمِعَ، وَوَقَعَ فِي نُسْخَةِ السَّيِّدِ بِفَتْحِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَحِسَ مَا فِيهَا مِنْ طَعَامٍ تَوَاضُعًا وَتَعْظِيمًا لِمَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَرَزَقَهُ وَصِيَانَةً لَهُ عَنِ التَّلَفِ. (اسْتَغْفَرَتْ لَهُ الْقَصْعَةُ) . وَلَعَلَّهُ أَظْهَرُ فِي مَوْضِعِ الْمُضْمَرِ، لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ قَوْلَهُ: " اسْتَغْفَرَتْ " بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ، هَذَا وَلَمَّا كَانَتْ تِلْكَ الْمَغْفِرَةُ بِسَبَبِ لَحْسِ الْقَصْعَةِ وَتَوَسُّطِهَا جُعِلَتِ الْقَصْعَةُ كَأَنَّهَا تَسْتَغْفِرُ لَهُ، مَعَ أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنَ الْحَمْلِ عَلَى الْحَقِيقَةِ.

قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: اسْتِغْفَارُ الْقَصْعَةِ عِبَارَةٌ عَمَّا تُعُورِفَ فِيهِ مِنْ أَمَارَةِ التَّوَاضُعِ مِمَّنْ أَكَلَ مِنْهَا، وَبَرَاءَتِهِ مِنَ الْكِبْرِ، وَذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ لَهُ الْمَغْفِرَةَ فَأَضَافَ إِلَى الْقَصْعَةِ؛ لِأَنَّهَا كَالسَّبَبِ لِذَلِكَ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارِمِيُّ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) : وَهُوَ الَّذِي تَفَرَّدَ بِهِ ضَبْطٌ عَادِلٌ مِنْ سَائِرِ الرُّوَاةِ، وَهُوَ لَا يُنَافِي الصِّحَّةَ وَيَجْتَمِعُ مَعَ الْحُسْنِ وَالضَّعْفِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015