النَّقِيُّ عِنْدَهُمْ كَثِيرٌ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى ذَلِكَ عِنْدَهُمْ، وَأَمَّا بَعْدَ ظُهُورِ النُّبُوَّةِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ فِي مَكَّةَ وَالطَّائِفِ وَالْمَدِينَةِ، وَقَدِ اشْتَهَرَ أَنَّ سَبِيلَ الْعَيْشِ صَارَ مُضَيَّقًا عَلَيْهِ، وَعَلَى أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ اضْطِرَارًا أَوِ اخْتِيَارًا. (وَقَالَ) : أَيْ سَهْلٌ (مَا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنْخُلًا) بِضَمَّتَيْنِ وَيُفْتَحُ فَاؤُهُ مَا يُنْخَلُ بِهِ (مِنْ حِينَ " ابْتَعَثَهُ اللَّهُ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى) : أَيْ إِلَى أَنْ فَارَقَ الدُّنْيَا وَاخْتَارَ الْعُقْبَى وَالْمَلَأَ الْأَعْلَى وَحَضْرَةَ الْمَوْلَى (قَالَ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ الشَّعِيرَ غَيْرَ مَنْخُولٍ) حَالٌ (قَالَ: كُنَّا نَطْحَنُهُ) بِفَتْحِ الْحَاءِ فِي الْقَامُوسِ: طَحَنَهُ كَمَنَعَ وَطَحَنَهُ جَعَلَهُ دَقِيقًا (وَنَنْفُخُهُ) : بِضَمِّ الْفَاءِ أَيْ نُطَيِّرُهُ إِلَى الْهَوَاءِ بِأَيْدِينَا أَوْ بِأَفْوَاهِنَا (فَيَطِيرُ مَا طَارَ) : أَيْ يَذْهَبُ مِنْهُ مَا ذَهَبَ مِنَ النُّخَالَةِ وَمَا فِيهِ خِفَّةٌ (وَمِمَّا بَقِيَ) : أَيْ مِمَّا فِيهِ رَزَانَةٌ كَالدَّقِيقِ ثَرَّيْنَا،) : بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيْ عَجَنَّاهُ وَخَبَزْنَاهُ، وَقِيلَ: بَلَّلْنَاهُ بِالْمَاءِ مِنْ ثَرَّى التُّرَابَ تَثْرِيَةً أَيْ رَشَّ عَلَيْهِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ جَعَلْنَاهُ مَرَقًا وَطَبَخْنَاهُ (فَأَكَلْنَاهُ) : وَفِي هَذَا بَيَانُ تَرْكِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَسْمَ التَّكَلُّفِ وَالِاهْتِمَامِ بِشَأْنِ الطَّعَامِ، فَإِنَّهُ لَا يَعْتَنِي بِهِ إِلَّا أَهْلُ الْحَمَاقَةِ وَالْغَفْلَةِ وَالْبِطَالَةِ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) : وَكَذَا النَّسَائِيُّ، وَفِي الشَّمَائِلِ لِلتِّرْمِذِيِّ، «عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: " أَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّقِيَّ يَعْنِي الْحُوَّارَى؟ ، فَقَالَ سَهْلٌ: مَا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّقِيَّ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، فَقِيلَ لَهُ: هَلْ كَانَتْ لَكُمْ مَنَاخِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: مَا كَانَتْ لَنَا مَنَاخِلُ. فَقِيلَ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ بِالشَّعِيرِ؟ قَالَ: كُنَّا نَنْفُخُهُ فَيَطِيرُ مِنْهُ مَا طَارَ ثُمَّ نَعْجِنُهُ» .