طَائِفَةٌ مِنَ الْيَهُودِ مِنْ سُكَّانٍ حَوْلَ الْمَدِينَةِ السَّكِينَةِ (فَأَخَذَ الرَّجُلُ سِلَاحَهُ، ثُمَّ رَجَعَ) أَيْ: بَعْدَ أَخْذِ السِّلَاحِ إِلَى أَهْلِهِ (فَإِذَا امْرَأَتُهُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ) أَيْ: بَابِ بَيْتِهَا وَبَابِ غَيْرِهَا أَوْ بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ (قَائِمَةٌ، فَأَهْوَى إِلَيْهَا بِالرُّمْحِ) أَيْ: قَصَدَ مَا بِهِ، أَوْ أَشَارَ بِهِ إِلَيْهَا، أَوْ مَدَّهُ إِلَيْهَا (لِيَطْعَنَهَا بِهِ، وَأَصَابَتْهُ) : حَالٌ مِنَ الْمَسْتَكِنِّ فِي أَهْوَى أَيْ: وَقَدْ أَصَابَ الْفَتَى (غَيْرَةٌ) : بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ: حَمِيَّةٌ (قَالَتْ) : أَيِ امْرَأَتُهُ لَهُ: اكْفُفْ) : بِضَمِّ الْفَاءِ الْأُولَى أَيِ: احْفَظْ (عَلَيْكَ رُمْحَكَ، وَادْخُلِ الْبَيْتَ حَتَّى تَنْظُرَ مَا الَّذِي أَخْرَجَنِي فَدَخَلَ فَإِذَا بِحَيَّةٍ عَظِيمَةٍ مُنْطَوِيَةٍ) أَيْ: مُلْتَوِيَةٍ مُرْتَمِيَةٍ (عَلَى الْفِرَاشِ، فَأَهْوَى إِلَيْهَا بِالرُّمْحِ، فَانْتَظَمَهَا بِهِ) أَيْ: غَرَزَ الرُّمْحَ فِي الْحَيَّةِ حَتَّى طَوَّقَهَا فِيهِ فَشَبَّهَهُ بِالسِّلْكِ الَّذِي يَدْخُلُ فِي الْخَرَزِ، وَفِي الْأَسَاسِ رَمَى صَيْدًا فَانْتَظَمَهُ بِسَهْمٍ وَطَعَنَهُ فَانْتَظَمَ بِسَاقَيْهِ أَوْ جَنْبَيْهِ، (ثُمَّ خَرَجَ أَيْ: مِنَ الْبَيْتِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِهِ أَيْ: مُلْتَبِسًا بِالْحَيَّةِ، (فَرَكَزَهُ) أَيْ: غَرَزَ الرُّمْحَ فِي الدَّارِ (فَاضْطَرَبَتْ) أَيِ: الْحَيَّةُ (عَلَيْهِ) أَيْ: صَائِلَةً عَلَى الْفَتَى (فَمَا يُدْرَى) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ: مَا يُعْلَمُ (أَيُّهُمَا كَانَ أَسْرَعَ مَوْتًا الْحَيَّةُ أَمِ الْفَتَى؟) : بِالرَّفْعِ بَيَانٌ لِأَيُّهُمَا.
(قَالَ) : أَيْ أَبُو سَعِيدٍ (فَجِئْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ، وَقُلْنَا: ادْعُ اللَّهَ يُحْيِيهِ لَنَا) . بِالرَّفْعِ أَيْ هُوَ يُحْيِي الْفَتَى بِدُعَائِكَ. (قَالَ: اسْتَغْفِرُوا لِصَاحِبِكُمْ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: يُرِيدُ أَنَّ الَّذِي يَنْفَعُهُ هُوَ اسْتِغْفَارُكُمْ لَا الدُّعَاءُ بِالْإِحْيَاءِ؛ لِأَنَّهُ مَضَى سَبِيلُهُ اهـ. وَلَيْسَ فِيهِ عَجْزُهُ عَنِ الْمُعْجِزَةِ مِنْهُ، بَلْ سَدٌّ لِهَذَا الْبَابِ، وَبِهِ يَتِمُّ الْجَوَابُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (ثُمَّ قَالَ) : أَيِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ( «إِنَّ لِهَذِهِ الْبُيُوتِ عَوَامِرَ» ، أَيْ سِوَاكِنَ (فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا) : أَيْ مِنَ الْعَوَامِرِ يَعْنِي مِنْ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ، وَفِي نُسْخَةٍ مِنْهُمْ أَيْ مِنْ هَذَا الْجَمْعِ (شَيْئًا) : أَيْ أَحَدًا تَصَوَّرَ بِصُورَةِ شَيْءٍ مِنَ الْحَيَّاتِ (فَحَرِّجُوا) : بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ أَيْ ضَيِّقُوا (عَلَيْهَا ثَلَاثًا) ، أَيْ قُولُوا لَهَا: أَنْتِ فِي حَرَجٍ أَيْ ضِيقٍ إِنْ عُدْتِ إِلَيْنَا فَلَا تَلُومِينَا أَنْ نُضَيِّقَ عَلَيْكُمْ بِالتَّتَبُّعِ وَالطَّرْدِ وَالْقَتْلِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ. وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: رَوَى ابْنُ الْحَبِيبِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ يَقُولُ: ( «أُنْشِدُكُمْ بِالْعَهْدِ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْكُمْ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ أَنْ لَا تُؤْذُونَا وَلَا تَظْهَرُوا لَنَا» ) . وَنَحْوُهُ عَنْ مَالِكٍ. (فَإِنْ ذَهَبَ) : أَيْ بِالتَّحْرِيجِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ (وَإِلَّا فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّهُ كَافِرٌ) . قَالَ شَارِحٌ: أَيْ شَدِّدُوا عَلَى الْحَيَّةِ وَنَفِّرُوهَا، فَإِنْ نَفَرَ وَتَوَارَى فَذَاكَ، وَإِلَّا فَاقْتُلُوهُ، فَإِنَّهُ كَافِرٌ أَيْ كَالْكَافِرِ فِي جَرَاءَتِهِ وَصَوْلَتِهِ وَقَصْدِهِ وَكَوْنِهِ مُؤْذِيًا، وَقِيلَ: أَرَادَ بِعَوَامِرِ الْبَيْتِ سُكَّانَهَا مِنَ الْجِنِّ أَيْ أَنَّهَا حِينًا تُشَكَّلُ بِشَكْلِ الْحَيَّاتِ، وَأَرَادَ بِالتَّحْرِيجِ التَّشْدِيدَ بِالْحَلِفِ عَلَيْهِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنْ يُقَالَ لَهَا: (أَسْأَلُكِ بِعَهْدِ نُوحٍ وَبِعَهْدِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ أَنْ لَا تُؤْذِينَا) . (وَقَالَ) : أَيِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لَهُمْ) : أَيْ لِأَصْحَابِ الْبَيْتِ (اذْهَبُوا) : أَمْرُ وُجُوبٍ عَلَى الْكِفَايَةِ أَيِ ارْجِعُوا وَجَهِّزُوا (فَادْفِنُوا صَاحِبَكُمْ) . أَيْ بَعْدِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا. (وَفِي رِوَايَةٍ) : أَيْ لِمُسْلِمٍ عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ (قَالَ) : أَيِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَدَلًا مِنْ قَوْلِهِ السَّابِقِ: إِنَّ لِهَذِهِ الْبُيُوتِ إِلَخْ. (إِنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا) : أَيْ طَائِفَةً مِنْهُمْ (قَدْ أَسْلَمُوا، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُمْ) : وَفِي نُسْخَةٍ: مِنْهَا أَيْ مِنْ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ (شَيْئًا فَآذِنُوهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) ،. بِمَدِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الذَّالِ أَمْرٌ مِنَ الْإِيذَانِ بِمَعْنَى الْإِعْلَامِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْإِنْذَارُ وَالِاعْتِذَارُ، وَالْمَعْنَى قُولُوا لَهُ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ أَوْ حَلِّفُوهُ وَقُولُوا: بِاللَّهِ عَلَيْكَ أَنْ لَا تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. (فَإِنْ بَدَا) : بِالْأَلِفِ أَيْ ظَهَرَ (لَكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَاقْتُلُوهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ) . أَيْ فَلَيْسَ بِجِنِّيٍّ مُسْلِمٍ، بَلْ هُوَ إِمَّا جِنِّيٌّ كَافِرٌ، وَإِمَّا حَيَّةٌ، وَإِمَّا وَلَدٌ مِنْ أَوْلَادِ إِبْلِيسَ، أَوْ سَمَّاهُ شَيْطَانًا لِتَمَرُّدِهِ وَعَدَمِ ذَهَابِهِ بِالْإِيذَانِ، وَكُلُّ مُتَمَرِّدٍ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالدَّابَّةِ يُسَمَّى شَيْطَانًا. وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ قَالَ الْعُلَمَاءُ: إِذَا لَمْ يَذْهَبْ بِالْإِنْذَارِ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَوَامِرِ الْبُيُوتِ، وَلَا مِمَّنْ أَسْلَمَ مِنَ الْجِنِّ، بَلْ هُوَ شَيْطَانٌ، فَلَا حُرْمَةَ لَهُ فَاقْتُلُوهُ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُ سَبِيلًا إِلَى الْإِضْرَارِ بِكُمْ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) . وَكَذَا أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ. وَمَالِكٌ فِي آخِرِ الْمُوَطَّأِ وَغَيْرُهُمْ.