سِوَاهُ لِتَنْتَفِعُوا بِهِ فِي الْحِرَاسَةِ وَغَيْرِهَا. وَفِي رِوَايَةٍ: فَاقْتُلُوا مِنْهَا الْأَسْوَدَ الْبَهِيمَ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَرِهَ إِفْنَاءَ أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ، وَإِعْدَامَ جِيلٍ مِنَ الْخَلْقِ، لِأَنَّهُ مَا مِنْ خَلْقٍ لِلَّهِ تَعَالَى إِلَّا وَفِيهِ نَوْعٌ مِنَ الْحِكْمَةِ وَضَرْبٌ مِنَ الْمَصْلَحَةِ، يَقُولُ: إِذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا وَلَا سَبِيلَ إِلَى قَتْلِهِنَّ فَاقْتُلُوا شِرَارَهُنَّ وَهِيَ السُّودُ الْبُهْمُ، وَأَبْقُوا مَا سِوَاهَا لِتَنْتَفِعُوا بِهِنَّ فِي الْحِرَاسَةِ. قَالَ الطَّيبِيُّ قَوْلُهُ: أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأنعام: 38] أَيْ: أَمْثَالُكُمْ فِي كَوْنِهَا دَالَّةً عَلَى الصَّانِعِ وَمُسَبِّحَةً لَهُ. قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 44] " أَيْ: يُسَبِّحُ بِلِسَانِ الْقَالِ أَوِ الْحَالِ، حَيْثُ يَدُلُّ عَلَى الصَّانِعِ وَعَلَى قُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ وَتَنْزِيهِهِ عَمَّا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ، فَبِالنَّظَرِ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى لَا يَجُوزُ التَّعَرُّضُ لَهَا بِالْقَتْلِ وَالْإِفْنَاءِ، وَلَكِنْ إِذَا كَانَ لِدَفْعِ مَضَرَّةٍ كَقَتْلِ الْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ، أَوْ جَلْبِ مَنْفَعَةٍ كَذَبْحِ الْحَيَوَانَاتِ الْمَأْكُولَةِ جَازَ ذَلِكَ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالدَّارِمِيُّ) أَيْ: مُقْتَصِرِينَ عَلَى ذَلِكَ (وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ: وَمَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ يَرْتَبِطُونَ كَلْبًا) أَيْ: يَحْبِسُونَهُ وَلَا يَطْرُدُونَهُ (إِلَّا نُقِصَ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالْمَعْلُومِ أَيِ: انْتَقَصَ (مِنْ عَمَلِهِمْ) أَيْ: مِنْ أُجُورِ أَعْمَالِهِمْ (كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ) أَيْ: يُصَادُ بِهِ (أَوْ كَلْبَ حَرْثٍ) أَيْ: زَرْعٍ مِنْ حَبٍّ وَغَيْرِهِ يُحْرَسُ بِهِ (أَوْ كَلْبَ غَنَمٍ) أَيْ: يَطْرُدُ الذِّئْبَ عَنْهَا، وَفِي مَعْنَاهَا سَائِرُ الْمَوَاشِي.