[3]- كِتَابُ الطَّهَارَةِ

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

281 - عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ - أَوْ تَمْلَأُ - مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَالصَّلَاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو، فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا» ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَفِي رِوَايَةٍ ( «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ تَمْلَآنِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» ) لَمْ أَجِدْ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلَا فِي كِتَابِ الْحُمَيْدِيِّ وَلَا فِي (الْجَامِعِ) . وَلَكِنْ ذَكَرَهَا الدَّارِمِيُّ بَدَلَ (سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ) .

ـــــــــــــــــــــــــــــ

[3] كِتَابُ الطَّهَارَةِ

أَيْ: مِنَ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ وَأَصْلُهَا النَّظَافَةُ وَالنَّزَاهَةُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ حِسِّيٍّ أَوْ مَعْنَوِيٍّ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى (إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) وَلَمَّا كَانَتِ الْعِبَادَةُ نَتِيجَةَ الْعِلْمِ، وَالصَّلَاةُ أَفْضَلَ الْعِبَادَاتِ، وَالطَّهَارَةُ مِنْ شُرُوطِهَا الْمُتَوَقِّفِ صِحَّتُهَا عَلَيْهَا عَقَّبَ كِتَابَ الْعِلْمِ بِكِتَابِ الطَّهَارَةِ، وَاخْتُصَّتْ مِنْ بَيْنِ شُرُوطِهَا لِكَوْنِهَا غَيْرَ قَابِلَةٍ لِلسُّقُوطِ، وَلِكَثْرَةِ مَسَائِلِهَا الْمُحْتَاجِ إِلَيْهَا هُنَا قَالَ الْغَزَالِيُّ: لِلطَّهَارَةِ مَرَاتِبُ مِنْ تَطْهِيرِ الظَّاهِرِ عَنِ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ، ثُمَّ تَطْهِيرِ الْجَوَارِحِ عَنِ الْجَرَائِمِ، ثُمَّ تَطْهِيرِ الْقَلْبِ عَنِ الْأَخْلَاقِ الْمَذْمُومَةِ، ثُمَّ تَطْهِيرِ السِّرِّ عَمَّا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى.

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

281 - (وَعَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ) . قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ مَالِكٌ، كَعْبُ بْنُ عَاصِمٍ الْأَشْعَرِيُّ، كَذَا قَالَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ أَوْ أَبُو عَامِرٍ بِالشَّكِّ قَالَ ابْنُ الْمَدَنِيِّ: أَبُو مَالِكٍ هُوَ الصَّوَابُ، رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ، وَمَاتَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الطُّهُورُ) : بِالضَّمِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَالْأَظْهَرُ أَوْ بِالْفَتْحِ: قَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ وَجُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ: عَلَى أَنَّ الطُّهُورَ وَالْوُضُوءَ يُضَمَّانِ إِذَا أُرِيدَ بِهِمَا الْمَصْدَرُ، وَيُفْتَحَانِ إِذَا أُرِيدَ بِهِمَا مَا يُتَطَهَّرُ بِهِ، كَذَا عَنِ ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ، وَذَهَبَ الْخَلِيلُ وَالْأَصْمَعِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ، وَالْأَظْهَرِيُّ، وَجَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ بِالْفَتْحِ فِي الِاسْمِ وَالْمَصْدَرِ اهـ. وَقَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ: الطُّهُورُ بِالضَّمِّ هَهُنَا، وَفِي غَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ عَنْ جُمْهُورِ الرُّوَاةِ وَحَكَى سِيبَوَيْهِ أَنَّهُ بِالْفَتْحِ لِأَنَّ الْفَعُولُ قَدْ يَجِيءُ مَصْدَرًا كَالْوَلُوعِ وَالْقَبُولِ، فَإِنْ جَعَلْتَهُ اسْمًا لِمَا يُتَطَهَّرُ بِهِ كَالسَّعُوطِ فَهُوَ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ أَيِ اسْتِعْمَالُهُ وَمَنْ رَوَاهُ بِالضَّمِّ فَلَا إِشْكَالَ (شَطْرُ الْإِيمَانِ) . قَالَ النَّوَوِيُّ: أَصْلُ الشَّطْرِ النِّصْفُ، قِيلَ مَعْنَى شَطْرِ الْإِيمَانِ: أَنَّ الْأَجْرَ فِي الْوُضُوءِ يَنْتَهِي إِلَى نِصْفِ أَجْرِ الْإِيمَانِ، قُلْتُ: وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ ثَوَابَ الصَّلَاةِ الَّتِي مِنْ جُمْلَةِ شُرُوطِهَا الْوُضُوءُ لَا يُقَالُ إِنَّهُ نِصْفُ ثَوَابِ الْإِيمَانِ بَلْ جَمِيعُ الْأَعْمَالِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ نِصْفًا لِلْإِيمَانِ إِلَّا عَلَى مُعْتَقَدٍ فَاسِدٍ لِلْمُعْتَزِلَةِ وَالْخَوَارِجِ، حَيْثُ جَعَلُوا الْعَمَلَ شَطْرَ الْإِيمَانِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْعَمَلِ شَطْرًا أَنَّهُ يُسَاوِي ثَوَابُهُ ثَوَابَ الْإِيمَانِ، كَيْفَ وَيَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْعَمَلِ عَلَى الْإِيمَانِ دُونَ الْعَكْسِ، فَهُوَ أَصْلٌ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يَكُونُ مُسَاوِيًا لِلْفَرْعِ أَبَدًا مَعَ أَنَّهُ كَالْعَلَامَةِ عَلَى تَحَقُّقِ الْإِيمَانِ وَقِيلَ: إِنَّ الْإِيمَانَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ مِنَ الْخَطَايَا، وَكَذَلِكَ الْوُضُوءُ إِلَّا أَنَّ الْوُضُوءَ لَا يَصِحُّ إِلَّا مَعَ الْإِيمَانِ فَصَارَ لِتَوَقُّفِهِ عَلَيْهِ فِي مَعْنَى الشَّطْرِ. قُلْتُ: وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ يَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ وَهِيَ لَا تَصِحُّ إِلَّا مِنْ أَهْلِهَا وَإِلَّا فَعِنْدَنَا يَصِحُّ الْوُضُوءُ مِنَ الْكَافِرِ فَالْأَظْهَرُ أَنَمَا يُقَالُ: إِنَّمَا كَانَ شَطْرًا لَهُ لِأَنَّهُ يَحُطُّ الْكَبَائِرَ وَالصَّغَائِرَ وَالْوُضُوءُ يَخْتَصُّ بِالصَّغَائِرِ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ هَذَا الْوُضُوءِ عِنْدَنَا أَيْضًا بِالنِّيَّةِ لِيَصِيرَ عِبَادَةً مُكَفِّرَةً لِلسَّيِّئَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ: الْمُرَادُ هُنَا بِالْإِيمَانِ الصَّلَاةُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143] أَيْ: صَلَاتَكُمْ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَأُطْلِقَ الْإِيمَانُ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا أَعْظَمُ آثَارِهِ وَأَشْرَفُ نَتَائِجِهِ وَأَنْوَارُ أَسْرَارِهِ وَجُعِلَتِ الطَّهَارَةُ شَطْرَهَا لِأَنَّ صِحَّتَهَا بِاسْتِجْمَاعِ الشَّرَائِطِ وَالْأَرْكَانِ وَالطَّهَارَةُ أَقْوَى الشَّرَائِطِ وَأَظْهَرُهَا، فَجُعِلَتْ كَأَنَّهَا لَا شَرْطَ سِوَاهَا، وَالشَّرْطُ شَرْطُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْمَشْرُوطُ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالشَّطْرِ مُطْلَقُ الْجُزْءِ لَا النِّصْفُ الْحَقِيقِيُّ. قُلْتُ: كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144] ثُمَّ إِمَّا أَنْ يُرَادَ بِالْإِيمَانِ الصَّلَاةُ فَلَا إِشْكَالَ أَوْ يُرَادُ بِهِ الْإِيمَانُ الْمُتَعَارَفُ، فَالْجُزْءُ مَحْمُولٌ عَلَى أَجْزَاءِ كَمَالِهِ، وَلَا يُنَافِيهِ مَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ بِعِبَارَةِ النِّصْفِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى النِّصْفِ كَمَا قِيلَ فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ: ( «عِلْمُ الْفَرَائِضِ نِصْفُ الْعِلْمِ» ) وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْإِيمَانِ حَقِيقَتُهُ لِأَنَّ الْإِيمَانَ طَهَارَةُ الْقَلْبِ عَنِ الشِّرْكِ وَالطَّهُورُ طَهَارَةُ الْأَعْضَاءِ مِنَ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ، وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الطَّهَارَةَ نِصْفَانِ أَيْ: فَجِنْسُهَا نَوْعَانِ طَهَارَةُ الظَّاهِرِ وَطَهَارَةُ الْبَاطِنِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: الطَّهُورُ تُزَكِّيهِ عَنِ الْعَقَائِدِ الزَّائِغَةِ وَالْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ وَهِيَ شَطْرُ الْإِيمَانِ الْكَامِلِ، فَإِنَّهُ تَخْلِيَةٌ وَتَحْلِيَةٌ، وَالْأَظْهَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْإِيمَانَ عَلَى حَقِيقَتِهِ الْمُنْبِئَةِ عَنْ نَفْيِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015