3838 - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَرْكَبِ الْبَحْرَ إِلَّا حَاجًّا، أَوْ مُعْتَمِرًا، أَوْ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ; فَإِنَّ تَحْتَ الْبَحْرِ نَارًا، وَتَحْتَ النَّارِ بَحْرًا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3838 - (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا تَرْكَبِ الْبَحْرَ) بِصِيغَةِ النَّهْيِ لِلْمُخَاطَبِ خِطَابًا عَامًّا. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالنَّفْيِ وَهُوَ بِمَعْنَى النَّهْيِ (إِلَّا حَاجًّا، أَوْ مُعْتَمِرًا، أَوْ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) : قَالَ الْقَاضِي: يُرِيدُ أَنَّ الْعَاقِلَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُلْقِيَ نَفْسَهُ إِلَى الْمَهَالِكِ، وَبِوَقْعِهِ مَوَاقِعَ الْأَخْطَارِ، إِلَّا لِأَمْرِ دِينٍ يَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَيُحْسِنُ بَذْلَ النَّفْسِ فِيهِ، وَإِيثَارَهُ عَلَى الْحَيَاةِ، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ: إِنَّ الْبَحْرَ عُذْرٌ لِتَرْكِ الْحَجِّ، وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ مِنْ أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْغَالِبُ السَّلَامَةَ فَفَرَضَ عَلَيْهِ يَعْنِي وَإِلَّا فَهُوَ مُخَيَّرٌ، وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] ; أَيْ لَا تُوقِعُوا أَنْفُسَكُمْ فِي الْهَلَاكِ، فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ غَرَضٌ شَرْعِيٌّ وَأَمْرٌ دِينِيٌّ، وَلِذَا قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ ; أَيْ بِالْإِسْرَافِ وَتَضْيِيعِ وَجْهِ الْمَعَاشِ، أَوْ بِالْكَفِّ عَنِ الْغَزْوِ وَالْإِنْفَاقِ، فَإِنَّهُ يُقَوِّي الْعَدُوَّ وَيُسَلِّطُهُمْ عَلَى إِهْلَاكِكُمْ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: أَعَزَّ اللَّهُ الْإِسْلَامَ، وَكَثَّرَ اللَّهُ أَهْلَهُ رَجَعْنَا إِلَى أَهْلِينَا وَأَمْوَالِنَا نُقِيمُ فِيهَا فَنَزَلَتْ، أَوْ بِالْإِمْسَاكِ وَحُبِّ الْمَالِ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى الْهَلَاكِ الْمُؤَبَّدِ. وَقَوْلُهُ: ( «فَإِنَّ تَحْتَ الْبَحْرِ نَارًا، وَتَحْتَ النَّارِ بَحْرًا» ) : يُرِيدُ بِهِ تَهْوِيلَ شَأْنِ الْبَحْرِ وَتَعْظِيمَ الْخَطَرِ فِي رُكُوبِهِ، فَإِنَّ رَاكِبَهُ مُتَعَرِّضٌ لِلْآفَاتِ الْمُهْلِكَةِ كَالنَّارِ وَالْفِتَنِ الْمُغْرِقَةِ كَالْبَحْرِ إِحْدَاهُمَا وَرَاءَ الْأُخْرَى، فَإِنْ أَخْطَأَتْ وَرْطَةٌ مِنْهَا جَذَبَتْهُ أُخْرَى بِمَخَالِبِهَا، فَمَهَالِكُهَا مُتَرَاكِمَةٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، لَا يُؤَمَنُ الْهَلَاكُ عَلَيْهِ، وَقَدِ احْتَرَقَتْ سَفِينَةٌ فِي زَمَانِنَا وَاحْتَرَقَ جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِهَا، وَغَرِقَ بَعْضٌ مِنْهُمْ، وَقَلِيلٌ مِنْهُمْ نَجَوْا بِمِحَنٍ شَدِيدَةٍ، وَقِيلَ: هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ: «الْبَحْرُ مِنْ جَهَنَّمَ» عَلَى مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَالْبَيْهَقِيُّ، عَنْ أَبِي يَعْلَى، وَيُقَوِّيهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير: 6] ; أَيْ أُحْمِيَتْ وَأُوقِدَتْ، أَوْ مُلِئَتْ بِتَفْجِيرِ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ حَتَّى تَعُودَ بَحْرًا وَاحِدًا وَتَصِيرَ نَارًا. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .