وَلِهَذَا سُمِّيَ جِهَادًا أَكْبَرَ، وَلَا يُنَافِيهِ مَا وَرَدَ: أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ عَلَى مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ ; لِأَنَّهُ أَشَقُّ عَلَى النَّفْسِ، أَوِ الْأَفْضَلِيَّةُ إِضَافِيَّةٌ، أَوِ التَّقْدِيرُ مِنْ أَفْضَلِ الْجِهَادِ. (قِيلَ: فَأَيُّ الْقَتْلِ أَشْرَفُ؟ قَالَ: مَنْ أُهْرِيقَ) : بِسُكُونِ الْهَاءِ ; أَيْ أُرِيقَ وَسُفِكَ (دَمُهُ وَعُقِرَ جَوَادُهُ) : أَيْ جُرِحَ فَرَسُهُ الْجَيِّدُ (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) : وَفِي الْكَلَامِ كِنَايَتَانِ عَنْ قَتْلِهِ وَقَتْلِ مَرْكُوبِهِ، حَيْثُ اجْتَمَعَ لَهُ الِاجْتِهَادُ فِي الْجِهَادِ رَاكِبًا وَمَاشِيًا وَمَالًا وَنَفْسًا. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَلَعَلَّ تَغْيِيرَ الْعِبَارَةِ فِي قَوْلِهِ: فَأَيُّ الْقَتْلِ أَشْرَفُ إِنَّمَا كَانَ لِاهْتِمَامِ هَذِهِ الْخَصْلَةِ ; لِأَنَّ مَعْنَى الشَّرَفِ هُوَ الْقَدْرُ وَالْقِيمَةُ وَالرِّفْعَةُ، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْزِلَةَ دَرَجَةِ الشَّهِيدِ الَّذِي نَالَ مِنْ دَرَجَاتِ الشَّهَادَةِ أَقْصَاهَا وَغَايَتَهَا هُوَ الْفِرْدَوْسُ الْأَعْلَى، وَهَذَا الشَّهِيدُ هُوَ الَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ وَجَوَادَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَقَطْعُ عَقِبِ الْجَوَادِ كِنَايَةٌ عَنْ غَايَةِ شَجَاعَتِهِ، وَأَنَّهُ كَانَ مِمَّا لَا يُطَاقُ أَنْ يَظْفَرَ بِهِ إِلَّا بِعَقْرِ جَوَادِهِ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .
(وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: إِيمَانٌ لَا شَكَّ فِيهِ) : أَيْ بَعْدَهُ إِذْ لَا يَجْتَمِعَانِ (وَجِهَادٌ لَا غُلُولَ فِيهِ) : وَالْغُلُولُ بِضَمٍّ أَوَّلِهُ الْخِيَانَةُ فِي الْمَغْنَمِ، وَوَرَدَ فِي أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ أَحَادِيثُ مُخْتَلِفَةٌ، وَلَعَلَّهَا بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ سَائِلِهَا، أَوْ بَعْضُهَا إِضَافِيَّةٌ، أَوِ التَّقْدِيرُ مِنْ أَفْضَلِهَا (وَحَجَّةٌ مَبْرُورَةٌ) : وَفِي حَدِيثٍ رَوَاهُ مَالِكٌ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمْ: " الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ " وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالْمَبْرُورِ فَقَالَ النَّوَوِيُّ: إِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْمَبْرُورَ هُوَ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُ إِثْمٌ، وَقِيلَ: الْمُتَقَبَّلُ، وَقِيلَ: الَّذِي لَا رِيَاءَ فِيهِ وَلَا سُمْعَةَ وَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ، وَقِيلَ: الَّذِي لَا مَعْصِيَةَ بَعْدَهُ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: هُوَ أَنْ يَرْجِعَ زَاهِدًا فِي الدُّنْيَا رَاغِبًا فِي الْعُقْبَى. (قِيلَ. فَأَيُّ الصَّلَاةِ) : أَيْ مِنْ أَحْوَالِهَا (أَفْضَلُ؟ قَالَ: طُولُ الْقُنُوتِ) : أَيِ الْقِيَامِ، أَوِ السُّكُونِ وَالْخُشُوعِ فِي السُّجُودِ (ثُمَّ اتَّفَقَا) : أَيْ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ (فِي الْبَاقِي) : أَيْ بَاقِي الْحَدِيثِ.