(فَأَقَمْتُ فِي هَذَا الشِّعْبِ) : عَطْفٌ عَلَى اعْتَزَلْتُ وَجَوَابُ لَوْ مَحْذُوفٌ ; أَيْ لَكَانَ خَيْرًا لِي. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: وَجَدْنَا فِي سَائِرِ النُّسَخِ: فِيهِ غَيْضَةٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِسَدِيدٍ وَلَمْ يَشْهَدْ بِهِ رِوَايَةٌ. قَالَ الْقَاضِي: وَفِي أَكْثَرِ النُّسَخِ غَيْضَةٌ مِنْ مَاءٍ، فَإِنْ صَحَّتِ الرِّوَايَةُ بِهَا فَالْمَعْنَى غَيْضَةٌ كَانَتْ مِنْ مَاءٍ، وَهِيَ الْأَجَمَةُ مِنْ غَاضَ الْمَاءُ، إِذَا نَضَبَ، فَإِنَّهَا مَغِيضُ مَاءٍ يَجْتَمِعُ فِيهِ الشَّجَرُ، وَالْجَمْعُ غِيَاضٌ وَأَغْيَاضٌ (فَذُكِرَ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ ; أَيْ ذَكَرُوا (ذَلِكَ) : أَيْ مَا صَدَرَ عَنِ الرَّجُلِ (لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) : وَفِي نُسْخَةٍ بِالْفَاعِلِ ; أَيْ ذَكَرَ بِنَفْسِهِ اسْتِئْذَانًا لِمَا خَطَرَ بِقَلْبِهِ (فَقَالَ: لَا تَفْعَلْ) : نَهْيٌ عَنْ ذَلِكَ ; لِأَنَّ الرَّجُلَ صَحَابِيٌّ، وَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغَزْوُ فَكَانَ اعْتِزَالُهُ لِلتَّطَوُّعِ مَعْصِيَةً لِاسْتِلْزَامِهِ تَرْكَ الْوَاجِبِ، ذَكَرَ ابْنُ الْمَلَكِ تَبَعًا لِلطِّيبِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَفِيهِ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنَّهُ أَرَادَ الِاعْتِزَالَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الْجِهَادِ، كَمَا هُوَ شَأْنُ الْعُبَّادِ وَالزُّهَّادِ مِنَ الْعِبَادِ (فَإِنَّ مَقَامَ أَحَدِكُمْ) : بِفَتْحِ الْمِيمِ ; أَيْ قِيَامَهُ، وَفِي نُسْخَةٍ بِضَمِّهَا وَهِيَ الْإِقَامَةُ بِمَعْنَى ثَبَاتِ أَحَدِكُمْ (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) : أَيْ بِالِاسْتِمْرَارِ فِي الْقِتَالِ مَعَ الْكُفَّارِ خُصُوصًا فِي خِدْمَةِ سَيِّدِ الْأَبْرَارِ (أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ) : يَدُلُّ عَلَى أَنَّ طَلَبَهُ كَانَ مَفْضُولًا لَا مُحَرَّمًا (سَبْعِينَ عَامًا) : الْمُرَادُ بِهِ الْكَثْرَةُ لَا التَّحْدِيدُ، فَلَا يُنَافِي مَا وَرَدَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ " «مَقَامُ الرَّجُلِ فِي الصَّفِّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ عِبَادَةِ الرَّجُلِ سِتِّينَ سَنَةً» ". رَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ: وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيِّ وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَلَفْظُهُ " قِيَامُ أَحَدِكُمْ ". (أَلَا) : بِالتَّخْفِيفِ لِلتَّنْبِيهِ ; أَيْ: أَمَا (تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ) : أَيْ مَغْفِرَةً تَامَّةً (وَيُدْخِلَكُمُ الْجَنَّةَ) : أَيْ إِدْخَالًا أَوَّلِيًّا (اغْزُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) : أَيْ دُومُوا عَلَى الْغَزْوِ فِي دِينِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} [الأحزاب: 1] مَنْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَوَاقَ نَاقَةٍ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015